أنقرة تجمّد التعاون العسكري مع باريس وتتحدث عن ''خيانة التاريخ'' استدعت تركيا سفيرها بباريس، احتجاجا على مصادقة الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، أمس، على قانون يقضي بمعاقبة كل من ينكر الإبادة الجماعية، الأرمينية على وجه الخصوص، بسنة سجنا وغرامة مالية قدرها 45 ألف أورو، وهي الخطوة التي لم تستسغها أنقرة وانتقلت مباشرة إلى فرض إجراءات عقابية ضد باريس واستدعت سفيرها للتشاور. ردت تركيا على القانون الفرنسي الذي أقرّه البرلمان، أمس، باستدعاء سفيرها لدى باريس للتشاور كأول إجراء ضد فرنسا، وتبع ذلك إجراءات عقابية أعلن عنها رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان في تصريحات صحفية حيال قانون تجريم إنكار إبادة الأرمن، الذي وصفه بالتمييزي والعنصري، وقال إن القانون ''عنصري وينطوي على تمييز وكراهية للأجانب''، وأنه فتح جروحا مع باريس يصعب أن تندمل. وأضاف أردوغان أن تركيا ''ستلغي كل الاجتماعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع فرنسا'' شريكتها في حلف شمال الأطلسي، ''وستلغي كل العمليات والنشاطات العسكرية المشتركة''، وأضاف بأن بلاده ''ستدرس حالة بحالة الطلبات الفرنسية لاستعمال مجالها الجوي، وسترفض أي طلب فرنسي لأن ترسو سفنها الحربية في الموانئ التركية''، إلى جانب تجميد الاجتماعات وتبادل الزيارات من وإلى فرنسا، واصفا القرار ب''فتح جروح لن تندمل''، وشدد على أن العلاقات مع فرنسا سيتم مراجعتها. وأكد أنه ستكون هناك عقوبات أخرى سيتم اتخاذها في المستقبل. ووصف بولانت أرينج، نائب أردوغان، القانون المصادق عليه ب''خيانة للتاريخ''. وتساءل عن ماهية القانون الذي يفتح الباب أمام ''محاكم التفتيش'' التي سوف تحد من ''حرية الفكر''. وتجمّع الآلاف من الأتراك، أمس، أمام السفارة الفرنسية في أنقرة والقنصلية الفرنسية في إسطنبول تنديدا بالخطوة الفرنسية. وتم التصويت، أمس، بحضور 50 نائبا من أصل 577 وصوّت ستة من الحضور ضد القانون، فيما تنص المادة 61 من القانون الداخلي للجمعية الفرنسية، في بندها الثاني، على أن ''التصويت يبقى ساريا مهما كان عدد الحضور، إذا لم يطلب رئيس كتلة من الرئيس (رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية)، قبل التصويت، التأكد من النصاب، داخل مقر الجمعية، بحضور الأغلبية من عدد النواب وفقا لعدد المقاعد''. ويؤكد البند الثالث أن الطعن لا يقبل إلا بحضور الأغلبية من الكتلة التي قدمت الطلب. وجرت المصادقة، أمس، على قانون مثير للجدل، بنسبة 7 بالمائة فقط من عدد النواب. ولعل أحسن تعبير على معارضة النواب الفرنسيين للقانون، ما صدر عن وزير الثقافة الفرنسي، فريدريك ميتران، لإذاعة ''مونتيكارلو'' حيث قال، قبيل التصويت، ''من حسن حظي لست نائبا... فأنا بصفة عامة ضد القوانين التذكارية''. وقال وزير الدفاع، جيرار لونغي، إن ''النواب ليسوا حتما مؤرخين''. لكن زميله بالخارجية، آلان جوبي، قال إن تركيا تلوّح بالتهديدات غير أنها لا تستطيع فعل أي شيء من هذا القبيل. أما الوزير الأول التركي فوعد بسلسلة من الإجراءات سيتخذها بعد التصويت. وتم التصويت في جو مكهرب خارج المبنى، أين تجمّع الآلاف من المتظاهرين، معظمهم من أصول تركية، رفعوا شعارات منددة بالمشروع.. وفور التصويت أسرعت الحكومة الأرمينية إلى تقديم الشكر لفرنسا على هذه المبادرة، معتبرة ذلك إنصافا لذاكرة مليون ونصف أرميني سقطوا في 1915، أو نصف مليون حسب الأرقام الرسمية التي تقدمها تركيا بخصوص القتلى الأرمن. وفي وقت تدافع فيه فرنسا عن الأرمن وأصدرت القرار المجرّم لمن ينكر إبادة الأرمن على يد الجيش العثماني، إبان الحرب العالمية الأولى، فإنها في الوقت ذاته ترفض تقديم الاعتذار للجزائر على الجرائم التي ارتكبتها خلال الحقبة الاستعمارية للجزائر، وتطالب بأن يوضع الملف بين أيدي المؤرخين.