تدهور الاقتصاد قد يؤدي إلى ثورة جياع عاشت مصر خلال الأيام الماضية أحداثا دامية، سقط فيها حوالي 17 قتيلا وعشرات الجرحى، في اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن ومئات المتظاهرين في ميدان التحرير، رمز سقوط مبارك. وتزامنت هذه الأحداث مع المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية، التي اكتسحها التيار الإسلامي. وربط العديد من المتتبعين هذه الأحداث بنتائج الانتخابات التي شهدت تراجعا كبيرا للتيار الليبرالي. وأمام هذا الوضع، تصاعدت الأصوات المطالبة برحيل المجلس العسكري في أقرب وقت، وحملوه كل المشاكل التي تعيشها البلاد، فيما يطالب الإسلاميون بالحفاظ على أجندة المرحلة الانتقالية التي رسمها العسكر. طعنت في مصداقية ''العسكري'' وقسّمت الشارع إلى إسلامي وليبرالي أحداث ميدان التحرير تكسر الإجماع حول الثورة المصرية كشفت إحصائيات مؤسسة ''غالوب'' الأمريكية الصادرة نهاية الشهر المنصرم، أن غالبية المصريين مستاءة من تعطيل المسار الانتخابي، ويعزون ذلك للفوضى الناتجة عن استمرار المظاهرات والاشتباك مع قوات الأمن، حيث أكدت الأرقام أن 83% من الشعب المصري ساند الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، إلا أن نسبة 11 % فقط شاركت في مظاهرات ميدان التحرير ضد المجلس العسكري، في إشارة إلى أن الأغلبية الصامتة تطالب بعودة الحياة إلى طبيعتها من خلال التسريع في الانتخابات وتسليم السلطة، وبالتالي عودة الاستقرار والعمل على تحسين الظروف المعيشية. ويبدو أن اختلاف وجهات النظر لدى الشارع المصري بات يتجلى في انقسامه بين مؤيد لاستمرارية الثورة في إسقاط المجلس العسكري وبين من يعتقد بضرورة إكماله لفترة انتقالية وتسليم السلطة في الأوقات المحددة، والحال أن ميدان التحرير لم يعد لسان حال الشعب المصري الموحد في مواقفه، بعدما اختار المساندون للمجلس العسكري التعبير عن مواقفهم في ميدان العباسية. ويرى المتابعون للشأن المصري أن الأحزاب الإسلامية وحدها أدركت حقيقة المنعرج الذي تمر به مصر، من خلال حسن تنظيمها في الانتخابات، عكس الأحزاب الديمقراطية والليبرالية التي استمرت في المظاهرات، ولم تول انتخابات مجلس الشعب الاهتمام الكافي، فكانت النتائج لصالح الأحزاب الإسلامية بأغلبية كاسحة. وبالرغم من أن التيار الليبرالي كان من أهم المحركين للثورة التي أسقطت النظام، إلا أنه عجز عن ترجمة ذلك من خلال مشروع سياسي في الانتخابات، وإن سعى في اللحظات الأخيرة لتدارك الموقف وتشكيل تحالفات قد ينقذ به وجوده في مجلس الشعب، فكانت ''الكتلة المصرية'' وتحالف ''الثورة مستمرة'' مشروع الليبراليين المصريين لدخول المجلس، إلا أن قلة فقط من الشخصيات نجحت في تخطي أدوار الانتخابات النيابية، في مقدمتهم الدكتور عمرو حمزاوي وعمرو الشوبكي، في حين تم إقصاء أسماء على الرغم من وزنها على غرار جورج إسحاق والناشطة جميلة إسماعيل. وتسبب صعود الإسلاميين في إرهاب الليبراليين والعلمانيين، بالرغم من طمأنة الأحزاب الإسلامية وتأكيدها احترام الحريات الفردية وما إلى ذلك، إلا أن المتظاهرين في ميدان التحرير خرجوا لينددوا بموقف حزب النور وحزب الحرية والعدالة الإخواني، بسبب مطالبتهم بالتهدئة عقب تجدد أحداث العنف بين المتظاهرين وقوات الأمن والجيش وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى. ومع أن هذه الأحزاب الإسلامية المنتشية بفوزها تستمر في التأكيد على أنها ما تزال وفية لعهد ميدان التحرير، إلا أنها باتت تعتقد أن الوقت حان للمضي في مسار انتخابي من شأنه التعجيل في نقل السلطة للمدنيين. في غضون ذلك اكتشف الليبراليون أن فشلهم في الانتخابات مقابل فوز الإسلاميين بات يهدد مشروع الدولة المدنية التي ثاروا من أجلها وعليه باتوا يطالبون بضمانات أكبر. ولعل آخر المؤشرات التي تؤكد اختلاف الرؤى بين التيار الإسلامي والتيار الليبرالي، رفض الحزب الإخواني خوض الحديث عن التحالفات البرلمانية مستقبلا، والتي دعا إليها التحالف الديمقراطي، حيث أشار بيان لحزب الحرية والعدالة الإخواني أن ''الحديث عن التحالفات البرلمانية سابق لأوانه''، مع العلم أن الحزب الإخواني ينتمي للتحالف الديمقراطي الذي يضم مجموعة من الأحزاب من مختلف التيارات. من هذا المنطلق، يرى المراقبون أن منعطف الثورة المصرية بلغ أوجه، بالنظر لتلهف التيار الإسلامي لاستكمال المرحلة الانتقالية وتولي زمام الأمور في البلاد، وبين تيار ليبرالي اكتشف أنه ساهم بقوة في صنع الثورة وقد يجد نفسه مقصى منها بعد فشله في الانتخابات، وبين ذاك وذلك، قد تكون الإجابة عن السؤال: هل نجحت الثورة المصرية؟ عضو البرلمان المصري عمرو حمزاوي ل''الخبر'' ''نرحب بالإسلاميين وعلينا تسريع نقل السلطة في مصر'' تدهور الاقتصاد قد يؤدي إلى ثورة جياع اعتبر المحلل السياسي المصري وعضو البرلمان المنتخب، عمرو حمزاوي، أن الظرف الحالي يتطلب تكاتف الإسلاميين والعلمانيين لإنقاذ مصر، محذرا من ثورة جياع مع تدهور الاقتصاد. وعلى خلاف الكثيرين من أصحاب الفكر الليبرالي في مصر، يخرج الدكتور عمرو حمزاوي، الباحث بمركز كارنيجي للسلام بالولايات المتحدة، بآراء تميل للتوافق أكثر من التصادم. ولعب حمزاوي دورا مؤثرا في الثورة المصرية، وكان من ثمار ذلك دخوله برلمان الثورة، وهو يؤكد رفضه لما يطرحه غالبية أصحاب التيار الليبرالي ببقاء المجلس العسكري خوفا من قدوم التيارات الإسلامية. حمزاوي يرى في حواره مع ''الخبر'': ''أن من حق مجلس الشعب كمؤسسة شرعية أن تتفاوض مع المجلس العسكري لتسليم السلطة في أقرب وقت سواء لرئيس مجلس الشعب أو لرئيس منتخب في موعد قريب''، ورحب بالمبادرات المطروحة لتسريع نقل السلطة سواء لرئيس مجلس الشعب، أو تسريع الانتخابات الرئاسية. ويعتقد الدكتور حمزاوي أن ''السبيل الوحيد للخروج من النفق المظلم الراهن هو البحث عن حل سياسي''، بالإسراع بإجراءات نقل السلطة، مؤكدا أنه لا يوجد غير البرلمان المنتخب للقيام بهذه المهمة وإدارة الحوار مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة''. ودعا في السياق ''كافة القوى السياسية وكذلك التيارات الإسلامية وفي مقدمتها حزبا الإخوان والنور إلى ضرورة استيعاب النقاش القائم حول تسريع الجدول الزمني الخاص بانتخابات الرئاسة''. فيما ترى جماعة الإخوان أن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل موعدها المحدد في جوان المقبل هو مخالف للإرادة الشعبية في استفتاء مارس الماضي. وأوضح حمزاوي، في تعليقه على موقف الإخوان، ''نحن لا ننقض على إرادة الشعب، بل نحارب ذلك وسيعرض الأمر على الرأي العام بشكل شرعي بعد انعقاد أولى جلسات مجلس الشعب في 23 جانفي المقبل، لوضع برنامج لتسليم السلطة لرئيس منتخب بعد إجراء الانتخابات الرئاسية. وأضاف المتحدث أن ''النقاش سيكون بين جهتين شرعيتين هما المؤسسة التشريعية ممثلة في مجلس الشعب والجيش الذي يعد مسؤول السلطة التنفيذية''، مؤكدا أن هذا النقاش لا يعني المساس بكرامة الجيش المصري وتفتيته. وحول صعود التيارات الإسلامية واحتمال قيادتها لمجلس الشعب، يقول عمرو حمزاوي إنه ''إذا تم اختيار رئيس مجلس الشعب من الأغلبية الإسلامية فإنه سيكون أول من يحترم هذا الاختيار، على الرغم من انتمائه لتيار مختلف، فالإسلاميون لهم دور في مواجهة النظام السابق لا يمكن لأحد إنكاره، وعلينا التعاون جميعا في المرحلة المقبلة، وعلينا احترام مجلس الشعب القادم أيا كانت انتماءات نوابه السياسية، لأنهم أصحاب شرعية ديمقراطية وجاءت بهم صناديق انتخابات غير مزورة''. وطالب حمزاوي التيارات الإسلامية، سواء السلفيين أو الإخوان، بالسعي لتحقيق الدولة المدنية والحفاظ على حقوق المواطنة، منتقدا أداء المجلس العسكري ووصفه بالأداء المتخبط الذي قد يدفع إلى حالة من الفوضى إذا استمر في الحكم، كما أكد أن كرامة المصريات والمصريين وحقوقهم خط أحمر لا يمكن تجاوزه فى دولة ومجتمع ديمقراطي يرفض الانتهاكات والاعتداءات على أصحاب الرأي، وذلك ردا على أحداث سحل نساء من طرف الجيش مؤخرا. وبالمناسبة، حذر المحلل السياسي عمرو حمزاوي من تدهور الأحوال الاقتصادية للبلاد والمظاهرات الفئوية، وقال إن هناك 58 بالمائة من المصريين تحت خط الفقر، وإذا استمرت الأوضاع الاقتصادية هكذا فإن ذلك ينذر بثورة جياع. الناشط السياسي المصري الدكتور عمر سليم ل''الخبر'' ''الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد والمجلس العسكري لن يتخلى عن السلطة'' اعتبر المحلل السياسي المصري، الدكتور عمر سليم، الذي يعد أحد مؤسسي حركة كفاية و6 أفريل، والمقيم في بريطانيا، بأن العملية الانتخابية في مصر ليست سوى تسويف من المجلس العسكري للبقاء في السلطة أكبر مدة ممكنة، مستبعدا أن يتخلى المجلس العسكري عن السلطة للمدنيين بسهولة، وتوقع أن يؤدي اكتشاف المصريين بأنهم خدعوا إلى ثورة ستتسم بالعنف، واصفا ما حدث في ميدان التحرير عند إسقاط مبارك مجرد ''انتفاضة'' احتواها العسكر. ما هي قراءتك لاكتساح الإسلاميين لثلثي الأصوات في المرحلتين الأوليين للانتخابات البرلمانية؟ - المرحلة الثالثة لن تختلف عن المرحلتين السابقتين، ومن المنتظر أن يحصد الإسلاميون، ممثلين في الإخوان والسلفيين، نسبة تتراوح ما بين 60 إلى 65 بالمئة من الأصوات، ولكن المشكلة الكبرى في مصر ليست في من سيفوز بالانتخابات، وإنما ما الفائدة من كل هذه الانتخابات إذا لم يعط مجلس الشعب كامل صلاحياته. فحسب تصريحات أعضاء في المجلس العسكري، فإن مجلس الشعب القادم سيكون شبه معدوم الصلاحيات. هل تقصد أن الثورة المصرية أفرغت من محتواها؟ - الثورة الحقيقية في مصر لم تبدأ بعد، وما حدث ليس سوى انتفاضة تمكن المجلس العسكري من لفها والالتفاف حولها ثم احتوائها، لكني أعتقد أن الثورة الحقيقية ستبدأ وسيكون فيها للأسف عنف أكثر من الأول، فكل شيء له ثمن، فأنتم ضحيتم بمليون ونصف مليون شهيد من أجل حريتكم، والشعب المصري سيثور عندما يكتشف أنه خدع، لأن المجلس العسكري ليس سوى جزء لا يتجزأ من عصابة مبارك، ما يعني أن آل مبارك لازالوا في الحكم، وبالتالي فالطرق السلمية قد لا تكفي لتغيير هذا النظام. مظاهرات واعتصامات في قلب القاهرة رغم سقوط مبارك وانخراط نسبة هامة من الشعب المصري في العملية الانتخابية، إلى أين تتجه الأمور في مصر؟ - المظاهرات والاعتصامات الحالية ليست سوى مرحلة تسخين لما هو آت، فأنا متواصل بشكل دائم مع أصدقائي وأقاربي في ميدان التحرير، ومن بينهم ابني الوحيد. والكل مستعد للتضحية بنفسه، والشعب يشارك في الانتخابات على أمل أن تتحسن أوضاعه، لأن 60 بالمئة منهم تحت خط الفقر و50 بالمئة أميون، ولكن عندما يكتشف الشعب أنه خدع فسينضم إلى المتظاهرين في ميدان التحرير. ولكن المجلس العسكري أكد أنه سيتخلى عن السلطة لصالح المدنيين في منتصف العام الداخل؟ - المجلس العسكري يشتري الوقت من خلال التسويف، فلم أر في حياتي انتخابات تجرى على مدى شهر أو شهرين، والأكيد أن المجلس العسكري لا ينوي تماما التخلي عن السلطة، وحديثه عن التخلي عن الحكم للمدنيين بعد 6 أشهر كلام مطاطي، فلا يمكن أن يترك المجلس العسكري ''قطار المهلبية''، والمهلبية في مصر حلوى مكورة، كلما أكلت منها أردت المزيد، ونحن منذ 10 أشهر من عدم الاستقرار لم يتغير شيء بل نحن نتجه إلى الأسوأ.