مِن صفات صحابة رسول الله الكرام أنّهم رحماء بينهم وهم فقط أخوة دين فهي الشِّدَّة لله والرّحمة لله وهي الحميّة للعقيدة والسّماحة للعقيدة، يحبوُّن بحبِّ الله ويبغضون ببغض الله، لا يخافون في الله لومة لائم ولا يخشون أحداً إلاّ الله.. كتب الله في قلوبهم الإيمان.. فلا يخرج من قلوبهم البتة ولا يدخل الكفر إليه أبداً.. فاختارهم سبحانه وتعالى وجعلهم من حزبه المؤيّد بتأييده السّعداء في الدارين.. فليس لهم في أنفسهم شيء، ولا لأنفسهم فيهم شيء وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس عقيدتهم وحدها، يشتدون على أعدائهم فيها، ويلينون لإخوتهم فيها، قد تجرّدوا من الأنانية ومن الهوى ومن الانفعال لغير الله والوشيجة الّتي تربطهم بالله جلّ علاه. وهذه الصورة الوضيئة الّتي تمثّلها هذه اللّقطات القرآنية ليست مستحدثة إنّما هي ثابتة لهم في لوحة القدر وفي علم الأزل ومن ثمّ فهي قديمة جاء ذكرها في التوراة... وصفهم سبحانه رُكَّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً أي فهم في عبادة مستمرة متّصلة بالمعبود والّذي يرجون فضله ويخافون عذابه ويطلبون رضاه ولا شيء وراء الفضل والرّضوان يتطلّعون إليه ويشتغلون به ثمّ يصفهم بأثر العبادة الظاهرة على ملامحهم: ''سِيمَاهُم في وُجوهِهم مِن أثَرِ السُّجود''.. يا لهُ من وصف جميل يعكس حال حياتهم مع نفوسهم ومع ربِّهم ومع الكون ومع الناس.. سيماهم في وجوههم من الوفاء والإشراق والصّفاء والشّفافية، ومن ذبول العبادة الحي الوضيء اللّطيف، وليست هذه السيما المصطنعة هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله تعالى: ''مِنْ أثَرِ السُّجود'' فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة، واختار لفظ السجود لأنّه يمثّل حالة الخشوع والخضوع والعبودية لله تعالى في أكمل صورها. فهو أثر هذا الخشوع، أثره في ملامح الوجه، حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة ويحل مكانها التّواضع النّبيل والشّفافية الصّافية والوضاءة الهادئة والذبول الخفيف الّذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونُبلاً.