يدفع المرضى هذه الأيام ثمن عجز الوزارة الوصية عن وضع سياسة صحية ناجعة، سواء من حيث توفير التجهيزات والأدوية أو من حيث تسيير الموارد البشرية، مثلما يدفع المواطن دائما، وفي كل القطاعات، ثمن سوء التسيير وعجز المسؤولين الذين لا يدفعون من جهتهم ثمن أي شيء. وحتى في أسوأ الأحوال، يغادرون مناصبهم ببعض المكاسب الشرعية المرتبطة بالمنصب، والكثير من المغانم غير الشرعية دون أن يحاسبهم أحد، ''دار موح كول وروح''. أعاد إضراب الاستشفائيين الجامعيين إلى الواجهة الوضع الكارثي لقطاع الصحة، الذي لم تفلح في تحسينه المليارات والتجهيزات التي يتحدث عنها الوزير في كل مناسبة، لأنها مجرد أرقام يمطرنا بها معاليه، ولا نجد لها أثرا في واقع يومياتنا بالمستشفيات وقاعات العلاج. قد تتعدد الآراء حول مطالب الاستشفائيين الجامعيين وشرعيتها أو عدم شرعيتها، وحول رزنامة وطريقة الاستجابة لها، لكن المؤكد، في نظري، أن إضراب هذا السلك وغيره من الأسلاك ما هو إلا نتيجة لسوء تسيير القطاع على جميع المستويات. عندما تكون مطالب سلك من الأسلاك شرعية، فمن حق المعنيين المطالبة بها، وتتحمل الوصاية وحدها تداعيات عدم الوفاء بالتزاماتها أو سوء التعامل مع أصحابها أو تجاهلها. عندما تسجل ندرة في الأدوية بما فيها البسيطة والأساسية، ولمدة طويلة، فلا أحد يمكنه تحميل المسؤولية لجهة أخرى غير الوزارة التي يفترض أنها تبرمج على أساس معطيات المخزون المتوفر والتوقعات المبنية على أساس الحاجيات، ولها سلطة على كل الجهات المعنية بالعملية من الاستيراد إلى التخزين إلى التوزيع. عندما ترخص الوزارة بالنشاط التكميلي للممارسين في القطاع العمومي، ويحول أغلبهم هذا النشاط في القطاع الخاص إلى عمل أساسي، وتصبح ممارستهم في القطاع العام ''تكميلية'' أو منعدمة، فلا أحد يتحمل المسؤولية سوى الوزارة وهياكلها. عندما يرفض الجراح إجراء العملية في مستشفى الدولة بمختلف الحجج الواهية، ويقترح على المريض عيادة خاصة، وهي ممارسات يعلم بها ويعرف أصحابها كل من مدير المستشفى والمدير الولائي للصحة والوزير نفسه، فلا أحد يمكنه تحميل المسؤولية لغير الوزارة. عندما يتربع أستاذ على عرش مصلحة استشفائية كالأمبراطور يرفض التقاعد ويتصرف كأنه في ملكية خاصة، وبعلم مدير المستشفى، ولا تجد الوصاية الشجاعة الكافية لوضع حد لتصرفاته، فمن هو المسؤول؟ وعندما تصل الأمور إلى درجة عرقلة حصول بعض الممارسين على رتبة أستاذ، بمختلف الطرق غير الشرعية، لأن رئيس المصلحة يخاف على منصبه، فمن هو المسؤول؟ يمكن طرح العشرات من الأسئلة من هذا النوع، لكن الإجابة عنها واحدة هي ''التواطؤ على جميع المستويات وفي مقدمتها الوزارة''. [email protected]