لم ينس بالتأكيد جمهور اتحاد الجزائر اللاعب ''المدلل'' ناصر فديورة، الذي خلّد اسمه في تاريخ هذا الفريق العاصمي، هو الذي ولد بحي باب الوادي الشعبي، وتكوّن في مدرسة الاتحاد، ولعب لها من الأصاغر إلى صنف الأكابر لمدة 22 سنة، قبل أن ينهي مشواره في فرنسا. يعود بنا ناصر فديورة إلى الوراء في عمق ذاكرة التاريخ الكروي، وبالضبط إلى سنة ,1964 عندما بدأ مداعبة الكرة، حيث اختار اتحاد الجزائر الذي كان يزخر بالنجوم في ذلك الوقت. وتدرّج ناصر فديورة، والد اللاّعب عدلان، تحت أعين مدربين كبار، خاصة الشيخ بلكحل، أو ''بابا لكحل''، مثلما يحلو لأبناء الفريق تسميته، بحكم أن هذا المدرب، ابن مدينة معسكر، كان أحد المؤطرين الأكفاء الذي تخرّج على يديه العديد من النجوم. رفضت حمل ألوان مولودية الجزائر وقد برز ناصر فديورة في الفئات الصغرى، وهو ما جعل الجار مولودية الجزائر يحاول خطفه، لكنه رفض العرض وفضّل البقاء في الاتحاد، وهو ما رفع أسهمه لدى أنصار فريق ''المسامعية''، كما يسمّون في العاصمة، نظرا لبراعتهم في إبداع الأهازيج والأغاني التشجيعية لفريقهم، حيث أن تألقه جعل الراحل أحمد زيتون يقوم بترقيته إلى الفريق الأول، وهو لم يتجاوز ال17 سنة ''وكان لي الشرف اللعب أمام مع كبار نجوم الاتحاد''، كما يقول. فرحت بالكأس مع الأواسط وبكيت عندما خسرناها أمام حمراء عنابة يقول محدثنا ''نلت تاجا مع أواسط الاتحاد، عندما فزنا على شباب قسنطينة في لقاء افتتاح نهائي كأس الجمهورية. وكنت صاحب أول هدف في ملعب 5 جويلية 1962 الأولمبي الذي دشّن بالمناسبة. وبقدر ما كنت سعيدا بتتويجي بالكأس مع الشبان، بقدر ما حزنت في نفس اليوم وذرفت الدموع مع زملائي، ونحن نشاهد الفريق الأول يخسر بعد الوقت الإضافي أمام حمراء عنابة''. كما اعترف ناصر بأنه كان محظوظا في بداية مشواره، وأنه تمكّن من تحقيق حلمه، ولعب بجانب نجوم كبار، على غرار عبد الرحمن مزياني ''الذي أعتبره قدوتي''، فضلا عن شلابي ومولدي عيساوي وسعيد عليق وغيرهم. وقال فديورة ''كنت أشاهدهم من المدرجات، وأنا صغير، وأتجاوب مع الفرجة التي كان يمتعنا بها الأنصار، ثم لعبت إلى جانبهم، واكتسبت بفضل ذلك الحنكة والخبرة، رغم أنهم كانوا في نهاية مشوارهم الكروي''. ورغم أن اتحاد الجزائر كان واحدا من أكبر الفرق في ذلك الوقت، لكنه كان عليه أن ينتظر إلى غاية سنة 1981 ليحرز أول كأس للجزائر، منذ نشأة الفريق عام ,1937 وهذا بعد أن وصل سبع مرات إلى النهائي ولم يتمكن من نيلها. وقال ناصر فديورة ''اضطررنا للتنقل إلى سيدي بلعباس وتمكنا من الفوز على جمعية وهران، في مباراة كانت كبيرة، وحققنا أول تاج في منافسة الكأس. وهو ما جعلني أعبر عن فرحتي بطريقتي، عندما قبلّت الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي سلّمنا الكأس، قبلات حارة، تعبيرا عن فرحتي التي لا يمكنني اليوم أن أصفها لكم، فما بالك في ذلك الوقت''.
1400دينار جزائري مكافأة الفوز بأول كأس كشف ناصر فديورة بأن منحة الفوز بالكأس الجزائر عام 1981 لم تتجاوز 1400 دينار لكل لاعب، وهذا بفضل ''اجتهاد بعض المسيرين الحقيقيين لجمع الأموال من أجل مكافأتنا على التتويج''، معترفاً أن الفريق لم يكن له موارد قارة، بحكم أن شركة سونلغاز هي التي كانت تسير الفريق، لكن المسيرين، يضيف محدثنا، بذلوا مجهودات كبيرة في ذلك الوقت، حتى نتمكن من العودة من بلعباس بالكأس الأولى''. عميروش أعجبني وسالمي كان فنّانا ولالماس عملة نادرة'' كما أسر فديورة، أحد أكبر الهدافين في تاريخ اتحاد الجزائر في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، بأنه كان معجبا بفنيات بوعلام عميروش، مهاجم رائد القبة، مشيرا ''كان شبيها بالطائر ويستطيع أن يفعل ما يشاء. كما كنت أحب جيلالي سالمي الذي كان يمتاز بلمساته السحرية في ترويض الكرة، وكذا زميله احسن لالماس الذي يبقى عملة نادرة، لأن الجزائر لن تنجب لاعبا مثله''. لو احترفنا وقتها لتمكنا من السيطرة بالطول والعرض قاريا وعالمياً وبنبرة الحسرة على أيام الزمن الجميل والفرجة داخل أرضية الميدان، حيث أن كل الفرق كانت تملك لاعبين ممتازين، يقول فديورة ''لو كانت القوانين تسمح لنا بالاحتراف في الخارج، لتمكنا من الحصول على كل الألقاب القارية، واللعب كل أربع سنوات كأس العالم، بالنظر إلى العدد الهائل للاعبين الممتازين في الستينيات والسبعينيات، وحتى في الثمانينيات، لأن تلك المواهب كانت تحتاج إلى التطور والبروز. لكن للأسف بعدنا جاءت بلدان أقل منا إمكانات ومهارات فنية، تمكنت من التألق في المحافل الدولية، على غرار الكاميرون ونيجيريا، وحتى غانا، لسبب واحد هو أن لاعبيهم احترفوا في سن جد مبكرة''. احترفت في فرنسا والبرتغال وواصل ناصر فديورة يسرد قصته مع الكرة ليقول ''بعد مشوار دام 22 عاما مع اتحاد الجزائر، فضّلت إنهاء مشواري في أوروبا، واخترت في البداية اللعب في نادي لاروش سوريون، القسم الثاني، لمدة موسمين قبل أن أتحوّل إلى البرتغال، حيث لعبت لنادي بانفيال الناشط في الدرجة الثانية، ثم عدت إلى فرنسا وتقمصت ألوان بوفي وأميان، قبل الاعتزال وعمري 37 سنة''. عمارة اكتشفني وماكري وضع الثقة في قدراتي وكنت أستحق المشاركة في مونديال إسبانيا وقال فديورة إن مشواره مع المنتخب الوطني ''بدأ في بداية السبعينيات، مع الشيخ سعيد عمارة، مع الأواسط، عندما شاركنا في دورة بروسيا، ثم كان لي شرف اللعب إلى نجوم كبار، في صورة احسن لالماس والجيلالي سالمي وميلود هدفي وعلي فرفاني، عندما كان الروماني ماكري يشرف على المنتخب الوطني، وكنت دائما مع الفريق الأول إلى غاية مونديال 1982 بإسبانيا، عندما تم شطبنا من قائمة المشاركين في مونديال إسبانيا، رغم أن المنتخب لم يكن يملك قلب هجوم حقيقي في ذلك الوقت''. مستعد للعودة إلى الجزائر والعمل مع فريقي كما أبدى ناصر فديورة استعداده للعودة إلى الوطن والعمل ''ولمَ لا مع اتحاد الجزائر، مادام أنني أملك شهادات''، مضيفا ''صحيح أنني ابتعدت عن الملاعب منذ عامين، لكنني قادر على تقديم المساعدة، ويكفيني فخرا أنني درّبت بعض اللاعبين الجزائريين والتونسيين، على غرار مادوني ومريم، وحتى اللاعب بن عرفة كان تحت إشرافي عندما كنت أدرّب فرق الدرجة الثالثة في فرنسا''.