إنّ الحديث عن صبره صلّى الله عليه وسلّم، هو في حقيقة الأمر حديث عن حياته كلِّها، وعن سيرته بجميع تفاصيلها وأحداثها، فحياته عليه الصّلاة والسّلام كلّها صبر ومصابرة، وجهاد ومجاهدة، ولم يزل صلّى الله عليه وسلّم في جهد دؤوب، وعمل متواصل، وصبرٍ لا ينقطع، منذ أن نزلت عليه أوّل آية، وحتّى آخر لحظة في حياته. من المواقف الّتي يتجلّى فيها صبره عليه الصّلاة والسّلام، ما تعرّض له من أذى جسدي من قومه وأهله وعشيرته وهو بمكة يبلّغ رسالة ربِّه. ففي يوم من الأيّام كان عليه الصّلاة والسّلام يُصلِّي عند البيت، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوس، فقال بعضهم لبعض: أيُّكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمّد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فجاء به، فانتظر حتّى سجد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فوضعه على ظهره بين كتفيه، فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ساجد لا يرفع رأسه، حتّى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره الأذى. ولم يكُن صبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مقتصراً على الأذى والابتلاء، بل شمل صبره على طاعة الله سبحانه وتعالى حيث أمره ربَّه بذلك في قوله: ''فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسل'' الأحقاف35، فكان يجتهد في العبادة والطاعة حتّى تتفطّر قدماه من طول القيام، ويكثر من الصِّيام والذِّكر وغيرها من العبادات، وإذا وكان شعاره في ذلك: أفَلا أكُون عبداً شكوراً؟