يحظى تزيفيتان تودوروف، الفيلسوف والنحوي البلغاري، المقيم في فرنسا حاملا لجنسيتها، بمكانة محترمة في أوساط المثقفين الفرنسيين، حتى أن باسكال بونيفاس اعتبره ''المفكر الأكثر احتراما''. بدأ ناقدا أدبيا، وكان من المؤسسين الأوائل لتيار الشكلانية الذي تخلى عنه في السنوات الأخيرة، بعد أن قدم لنفسه نقدا صارما في كتابه الشهير ''الأدب في خطر''، ثم انتهى مفكر إنسانيا مع مطلع التسعينيات عندما شرع في تأليف سلسلة من الكتب التي تعيد النظر في المنظومة الثقافية الغربية، فانخرط في مساءلة الفكر الغربي، وأسس لفكر جديد ''خارج عن قيود العقائدية الفكرية'' التي نجدها عند أنصار اليمين الجديد في فرنسا وأمريكا. في عام 2006 نشر تودوروف مؤلفا مرجعيا على شكل محاولة لتقديم مرجعية فكرية لغرب لم يعد يستمع لأجراس المثقفين، بعد أن أصيب بمزيد من الغرور بعد نكسة اليسار الستاليني. وكان هذا الكتاب الصادر بعنوان ''روح الأنوار'' بمثابة دعوة إلى العودة لفكر الأنوار الذي صنع مجد الثقافة الغربية، بل تجرأ على اعتبار أن الشرق هو المصدر الأساسي الذي أضاء الغرب. والأهم في هذا الكتاب، هو أن تودوروف يضع التنوير في سياقه التاريخي والإنساني، ويؤكد على أنه ليس حكرا على الغرب لوحده. معتبرا أن الحملات الاستعمارية التي سبق له وأن فضحها في كتاب سابق بعنوان ''نحن والآخرون''، عبارة عن انحراف مقيت عن عصر الأنوار، وليس امتداد له، فما بالك الترويج لفكرة نقل الحضارة إلى حيث لا توجد. وفي كتابه الحديث الصادر بعنوان ''الأعداء الحميمون للديمقراطية'' (منشورات روبير لافون- باريس)، يعتقد تودوروف أن الديمقراطية تحتضر، بعد أن اختفى أعداؤها عقب انهيار المعسكر الاشتراكي. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الفكر الغربي برمته قائم على فكرة الخصم والعدو، فإن وجد استقام حاله، وإن اختفى أحس بالخطر، فالرواية التي كتبها الايطالي دينو بوتزاتي بعنوان ''صحراء التتار''، تعبر عن هذا الحال، وتقدم صورة عن انتظار ''عدو لا يأتي''. أصبح الخطر الذي يهدد الديمقراطية، حسب تودوروف، يأتي من الداخل، وليس من الخارج، وأعداؤها هم أبناؤها غير الشرعيين. كما لم يعد للديمقراطية خصوم يثرون النقاش حول مبادئها، حتى تجدد نفسها لتبقى حية وتتجنب الموت والنهاية. علما أن أهم العناصر الحضارية التي تدفع للتطور، حسب تودوروف، هو نقد الذات والتجديد. داعيا في كتابه إلى خلخلة العقليات والسلوكيات من أجل بلوغ معنى وروح عصر الأنوار كما جاء في أحد كتبه التي حملت نفس العنوان، والتي حددها في ما يلي: الاِسْتقلالية، وغائية الأفعال الإنسانية ثم الكونيّة التي تعني الاِنْتماء إلى الجنْس البشري''. كما أن الديمقراطية تحتضر، حسب تودوروف، لأن واقعها في أمريكا أضحى مشبوها، ومحل سؤال، فالحرية المطلقة الموجودة مكنت أصحاب رؤوس الأموال من التأثير على الحياة السياسية، مما يتناقض مع روحها. ووقف تودوروف مرة أخرى ضد العداء الشديد للديانة الإسلامية التي ملأت المخيال الغربي الذي يريد الدفاع عن خصوصياته الثقافية، رافضا فكرة الصدام، مفضلا روح التواصل. وإذا كان فوكوياما قد تحدث عن نهاية التاريخ، فها هو تودوروف يتحدث عن نهاية الديمقراطية. يعد كتاب تودوروف الجديد بمثابة الجزء الأخير من ثلاثية نقد الديمقراطية الغربية، وهو مسار فكري بدأه بكتاب ''ذاكرة الشر، إغواء الخير'' سنة ,2000 ثم جاء كتاب ''الفوضى العالمية الجديدة'' سنة 2003، و''الخوف من البرابرة..ما وراء صدام الحضارات'' عام 2008، وفي هذا الكتاب بالذات وقف بالمرصاد للفكر العنصري الغربي، معتبرا وصف الآخر بالمتوحش بمثابة اعتداء على فكر الأنوار.