ذِكرُ الله روح القلوب، وحياة الأرواح، ونُور الأبصار والبصائر، وهو مَدَد العقول ومِداد الألسُن، الذِّكر سعادة الأُنس وصفاء الأنيس، الذِّكر غذاء وشراب وطرب، غذاء الإيمان وشراب العرفان وطرب الإحسان، وكما أنّ الجسد لا يحيا بدون طعام وشراب، كذلك القلوب لا تحيا دون ذِكر، فهو رئتَا المؤمن ودم وشرايين الحب. والذِّكرُ شرط صحّة الصّلاة في بدايتها، وروح الصّلاة في مناجاتها، وختام الصّلاة بعد انتهائها، قال الله تعالى: ''وَأَقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي''، فجعل الذِّكر شرطاً لأنس الصّلاة والحضور فيها، وقال تعالى: ''وَاذْكُر رَّبَّك فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً''، لتستقيم مناجاة المؤمن فيها، ويشعر بعظمة مَن يقف بين يديه، فيمتلئ هيبة، فإذا انتهى من الصّلاة سمع قوله تعالى: ''قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}. وذلك لتبقَى حلاوة المناجاة وأنس الشّهود دائمين في قلب المؤمن، وكذلك في الحجّ، أمر الله المؤمن بالذِّكر في جميع أحواله، وعند المشاعر، قال تعالى: ''فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَام''، فلا صفاء في الحجّ ولا صدق في القصد إلاّ إذا تخلَّل الذِّكر في كلّ الأحوال، وكذلك أمر بالذِّكر في الأسواق نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ''رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ ولا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ''، وأمر بالذِّكر في الجهاد حيث الخوف والهلع وقطع الأعضاء والرِّقاب، قال تعالى: ''فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ''، وفي الحديث الشّريف: ''علامة حبّ الله، حبّ ذِكْرِ الله، وعلامة بغض الله بغض ذِكر الله''. فالذِّكر يجذب القلوب إلى خالقها ويحقّق الأنس والطمأنينة في النّفس: ''ألاَ بذِكْرِ الله تطمَئِنُ القُلوب''. والإكثار من الذِّكر مطلوب من المؤمن، قال تعالى: ''يا أيُّها الّذين آمَنوا اذْكُروا الله ذِكْراً كثيراً''، والذِّكر قلعة تحمي الجوارح من المعاصي والخطايا وتهيمن على القلوب فتحميها مِن الشُّرور والميل للشّهوات، حتّى يصبح العبد مَلاكاً في روحه، ملكاً في جسده، ولولا خشية الإطالة لملأت الصحف بآثار الذِّكر وفوائده، والحق أقول: إنّ ما يذوقه الذّاكِر في حال ذِكره لا يعبّر عنه اللّسان، ولا يحيط به عقلٌ ولا جَنان.