لقد بين لنا الرسول حق المسلم على المسلم حين قال صلى الله عليه وسلم: “حق المسلم على المسلم رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس”. ونفهم من الحديث أنه لا يلزم أن يكون المسلم من معارفه وإنما يكفي وصف أن يكون مسلماً، لقيام هذه الحقوق لإخواننا المسلمين علينا، فإذا كانت صلة قرابة أو صلة جوار أو أخوة أو معرفة فإن ذلك الحق يعظم بمقدار عظم تلك الصلة حول فضل زيارة المريض وثوابها في الدين، أكد الشيخ أبوبكر الحنبلى أن زائر المريض يحظى ويتمتع بثمار الجنة حتى يرجع من زيارته كما وضح لنا الرسول :”إن المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع. قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جناها”. ويقول أيضاً: “ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف حتى يصبح وكان له خريف فى الجنة”. ثم تحدث الشيخ الحنبلى عن آداب زيارة المريض، والتي يأتي في مقدمتها المسارعة إلى عيادته، وهذا يفهم من قوله “إذا مرض فعده”، مشيراً إلى أن هناك أحاديث تدل على أن زيارة المريض تكون بعد ثلاثة أيام من مرضه لما رواه ابن ماجة والبيهقي قال: “كان النبي لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث”، ومن السنة تخفيف العيادة ولاسيما عند ضعف المريض أو عند كثرة الزوار أو عند ضيق المكان. وأشار الشيخ إلى أن من أعظم ما يهدى للمريض عند الدخول عليه الدعاء له، لا تهريب ما منعه الأطباء منه من شراب أو غذاء، لاسيما إن كان محرما كدخان أو نحوه. ومن الود والأدب أن يسأل المسلم أهل المريض عن حاله، فقد سأل الناس عليا لما خرج من عند النبي في مرضه فأجابهم على بقوله: “يصبح بحمد الله بارئا”. يقول الشيخ الحنبلى: عمل النبي صلى الله عليه وسلم على ترسيخ هذا المبدأ في نفوس أصحابه من خلال ذكر الفضائل العظيمة التي يجنيها المسلم إذا زار أخاه ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتفقد أحوال أصحابه ويسأل عنهم، ويطمئن على صحتهم، ويشملهم بالرعاية. ولم تكن زياراته صلى الله عليه وسلم مقتصرة على أصحابه الذين آمنوا به، بل امتدت لتشمل غير المؤمنين طمعاً في هدايتهم، كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادماً، فقد مرض الغلام مرضاً شديداً، فظل النبي صلى الله عليه وسلم يزوره ويتعاهده، حتى إذا شارف على الموت عاده وجلس عند رأسه، ثم دعاه إلى الإسلام، فنظر الغلام إلى أبيه متسائلاً، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم ثم فاضت روحه، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “الحمد لله الذي أنقذه من النار”. رواه البخاري. ويضيف: كما أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم توضح لنا هديه في زيارة المرضى، فكان إذا سمع بمرض أحد بادر إلى زيارته والوقوف بجانبه وتلبية رغباته واحتياجاته ثم الدعاء له بالشفاء إن كان مسلما، ودعوته للإسلام إن كان غير ذلك، ومن دعائه ما ذكرته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أتى مريضا: “أذهبِ البأس، رب الناس، اشفِ وأنت الشافي، لا شفاء الا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما”. وكان إذا احتاج المريض إلى رقية بادر عليه الصلاة والسلام إليها، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض: “بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا بإذن ربنا”، وربما صبّ على بعضهم من ماء وضوئه المبارك فيشفى بإذن الله، كما فعل مع جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم بالأجر الذي يلقاه العبد المبتلى للتخفيف من معاناتهم وتربيتهم على الصبر واحتساب الأجر، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: “ما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه من خطيئة“. وقوله: “ما من عبد يبتليه الله عز وجل ببلاء في جسده ، إلا قال الله عز وجل للملك: “اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله”، فإن شفاه الله غسله وطهّره، وإن قبضه غفر له ورحمه. ويواصل الشيخ حديثه قائلاً: ومن ذلك أيضاً إرشاده عليه الصلاة والسلام إلى التداوي بأنواع العلاجات المختلفة التي يعرفها، كالحجامة، ووضع الماء البارد على المحموم والإرشاد إلى العلاج بالعسل والحبة السوداء يقول صلوات ربى وسلامه عليه: “يا عباد الله تداووا ؛ فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواءً”. ولم يكن عليه الصلاة والسلام يغفل جانب التذكير والنصح بما يناسب المقام، فمرة يذكر بحق الأقرباء في الإرث وينهى عن الوصية بما يزيد عن الثلث، ومرة يشير إلى أهمية اجتماع الخوف والرجاء في مرض الموت، كما حصل عند احتضار أحد الصحابة. وثالثة ينهى عن تمني الموت وضرورة الاستعداد للقاء الله، كما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه. وختم الشيخ الحلقة قائلاً: عيادة المريض وزيارته من الآداب التي حث الإسلام المسلمين عليها وجعلها من أولى حقوق المسلم على أخيه المسلم بل ومن سبل التأليف بين القلوب الذي امتن الله تعالى علينا به في كتابه الكريم فقال: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”. وزيارة المريض تشعر المريض عند مرضه بروح الأخوة الإسلامية وتصبح سبباً في تخفيف آلامه وأحزانه، لذا كان من أدب السلف رضوان الله عليهم إذا فقدوا أحداً من إخوانهم سألوا عنه، فإن كان غائباً دعوا له، وخلفوه خيراً في أهله، وإن كان حاضراً زاروه، وإن كان مريضاً عادوه.