تكشف الأيام الأولى للحملة الانتخابية لتشريعيات العاشر ماي القادم عن فتور مذهل، يصور لك وكأن المواطن الجزائري غير معني بهذا الحدث. وبالضرورة قد ينجم عن هذا المشهد الباهت نسبة مشاركة ضعيفة أقل من سابقتها، يولد عنها برلمان أعرج. لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ألا يجب على أصحاب القرار التفكير، ولو للحظات، لتسليط الضوء عن الأسباب التي تقف وراء عزوف المواطن البسيط عن أداء واجبه الانتخابي. وللتوصل إلى مكمن الداء يكفي القيام بعملية تشخيص بسيطة وسبر للآراء في الجزائر العميقة، لنكتشف عدم الاهتمام واللامبالاة التي يجمع عليها المواطن، الذي دون شك يستند إلى جملة من المبررات ولسان حاله يقول: - ''ما نفوطيش'' لأن سعر البطاطا، غذاء العائلة الفقيرة، فاق 100 دينار للكيلوغرام الواحد، ولم أعد أنا رب العائلة قادرا على شرائها، شأنها شأن بقية الخضراوات التي أصيبت هي الأخرى بحمى ارتفاع الأسعار. وأجبرتني أن أعود من السوق بخفي حنين وبقفة خاوية لأطفالي. - ''ما نفوطيش'' لأن البرلماني الذي انتخبته منذ 5 سنوات اختفى عن الأنظار طيلة هذه المدة، ولم يعد إلا هذه الأيام ليكرر على مسامعنا أسطوانة قديمة يستجدي من خلالها أصوات الغلابة، والضحك على ظروفهم ومعاناتهم، وبوعود كاذبة ومفضوحة. - ''ما نفوطيش'' لأنني أعيل أسرة كبيرة العدد بمبلغ 3 آلاف دينار فقط، أتحصل عليه من عملي ضمن عقود الشبكة الاجتماعية في بلدية فقيرة ومعزولة، وصوتي سيستفيد منه شخص محظوظ سيتقاضى 30 مليونا، وامتيازات لا حصر لها، وبمجرد أن ينجح لن يسأل عني بالتأكيد. - ''ما نفوطيش'' لأن البطالة وأزمة السكن سببت لي جميع الأمراض من الضغط الدموي إلى السكري إلى... رغم أنني في ريعان الشباب، ولم أتمتع بالدنيا، ومازلت أوهم نفسي بالصبر والفرج في غد أفضل تؤول فيه مناصب العمل والسكن بالقسطاس، بعيدا عن المحسوبية والتشيبة. - ''ما نفوطيش'' لأنني أصاب بالرعب عندما تصلني فاتورة الكهرباء والماء ووصفة الدواء، لا لشيء سوى لأنني عاجز فعلا عن توفير هذه المبالغ. - ''ما نفوطيش'' لأن أحزابا تقدم بضاعة منتهية الصلاحية ظفرت بترتيب متقدم في القوائم بطرق ملتوية تفوح منها رائحة الشكارة والنفوذ والقرابة العائلية والعشائرية. - ''ما نفوطيش'' لأنني أخشى التزوير، وما يجري في الغرف المظلمة ليلة الفرز، والصفقات المشبوهة التي يبرمها النافذون مع أصحاب الشكارة لمصادرة أصوات الغلابة، غير مبالين بتحذيرات القاضي الأول في البلاد. هذه ليست دعوة لمقاطعة الانتخابات، ولكن من أجل أن نفهم لماذا قد يعزف المواطن عن الذهاب لصناديق الاقتراع، ولماذا بقيت نسب المشاركة دون تطلعات الأحزاب والدولة. فهل من الممكن معالجة أسباب العزوف قبل الذهاب إلى الانتخابات إذا أردنا مشاركة قوية نظيفة بعيدا عن ''تعمار الصنادق''؟ [email protected]