لم يكن انتقال رينيه جينو، المولود في 15 من نوفمبر عام 1886 بمدينة بلوا جنوب غرب باريس، من المسيحية إلى الإسلام بعد أن درس الماسونية وفلسفات الشّرق القديم من قبيل التّذبذُب وعدم الاستقرار أو حبًّا في التّغيير، وإنّما بحثاً عن الحقيقة المفقودة. إنّه عبد الواحد يحيى الذي اعتنق الإسلام، ووضع خطة لبناء المسجد الكبير في باريس قُبَيل الحرب العالمية الأولى، وإنشاء جامعة إسلامية في فرنسا. كانت معرفته بالمفكر والرسام السويدي جان جوستاف أجلي، الذي اعتنق الإسلام عام 1897وصار اسمه عبد الهادي، والّذي كان يشارك في تحرير مجلة عربية إيطالية باسم ''النادي''، لها الأثر الأكبر في إسلامه، خاصةً أن جينو نشر العديد من المقالات عن المتصوف العربي الشّهير محيي الدِّين بن عربي. ويقول الإمام عبد الحليم محمود عن سبب إسلام رينيه جينو: ''وكان سبب إسلامه بسيطاً ومنطقيًّا في آنٍ واحد، لقد أراد أن يعتصم بنص مقدّس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خلفه، فلم يجِد بعد دراسته العميقة سوى القرآن، فهو الكتاب الوحيد الذي لم ينله التّحريف ولا التّبديل، لأنّ الله تكفَّل بحفظه، فاعتصم به وسار تحت لوائه، فغمرَه الأمن النفساني في رحاب الفرقان''. وحصل جينو في شهر جويلية من عام 1915 على شهادة ليسانس الآداب في الفلسفة من جامعة السوربون الشهيرة، وتابع بعد ذلك دراسته، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا دي أو أس. وفي عام 1917 عُيِّن أستاذاً للفلسفة في الجزائر، فقضى فيها عاماً، ثمّ عاد إلى مدينة بلوا الفرنسية. ولكن المقام لم يطب له في مدينته، فغادرها إلى باريس من أجل الإعداد لرسالة الدكتوراه حول موضوع ''ليبنتز والحساب التفاضلي''. ولكن بسبب استقلاله الفكري ومجاهرته بأفكاره، فإنّ أستاذه المشرف على الدكتوراه رفض منحه تلك الشّهادة. وفي عام 1918 بدأ جينو يُعِدُّ لدرجة (الأفريفاسيون) في الفلسفة. جاء عرض بيت النشر في باريس على الشيخ عبد الواحد يحيى أن يسافر إلى مصر ليتصل بالثقافة الصوفية، فينقل نصوصاً منها ويترجم بعضها، فانتقل إلى القاهرة عام 1930 وعاش في حي الأزهر متواضعاً مستخفياً، لا يتّصل بالأوروبيين، ولا ينغمس في الحياة العامة، وإنّما يشغل كلّ وقته بدراساته. ووجد الكثير من المشاق في معيشته منفرداً، فتزوَّج سنة 1934 كريمة الشيخ محمد إبراهيم، وأنجب منها أربعة أولاد. تُوُفِّي الشيخ عبد الواحد يحيى عام 1951 عن عمر يناهز الرابعة والستين في القاهرة، محاطاً بزوجته وأبنائه الثلاثة، وجنين كان لا يزال في مرحلة التكوين، وكان آخر كلمة يتفوّه بها كلمة ''الله''.