لازال سكان بلدية سيدي لخضر في ولاية عين الدفلى، يتداولون قصة الشاب مراد لوباجي الذي قضى نحبه، بداية الأسبوع الجاري، وهو ينقذ طفلة صغيرة من موت محقق دهسا تحت عجلات القطار، مصرّين على وصفه ب''البطل مراد'' لأنه جسد، حسبهم، أسمى معاني القيم الإنسانية، بتضحيته بنفسه في سبيل إنقاذ طفلة صغيرة بريئة لا يتجاوز سنها الخمس سنوات. قصة مراد ''البطل'' فريدة من نوعها، يرويها ل''الخبر'' صديقه أسامة عمران الذي كان برفقته يوم الحادثة الأليمة. يقول أسامة: ''كنت مع المرحوم رفقة خمسة أصدقاء بمكان قريب من محطة القطار، عندما قام مراد مسرعا نحو طفلة صغيرة كانت تلعب على سكة الحديد ولم تنتبه إلى القطار الذي كان يشق السكة، حيث انتشلها ووضعها على الرصيف''. ويضيف أسامة أنه في هذه اللحظة بالذات، علقت قدم مراد في قضبان السكة الحديدية، ليسقط تحت عجلات القطار القادم من وهران متوجها إلى الجزائر العاصمة، وما هي إلا لمحة بصر حتى تحوّل جسد مراد الذي كان قلبه ينبض بالحياة والحيوية إلى جثة ممزقة إلى أشلاء ودماء، لطخت الرصيف والسكة على مسافة أمتار. يتنهد أسامة ويواصل سرد تفاصيل الحادث ل''الخبر'': ''من هول الصدمة، وقفنا واجمين لا نتحرك، نتساءل كيف حدث ما حدث. وما لفت نظرنا، ونحن في تلك الحال، سبّابة مراد المرفوعة إلى السماء.'' لغز اختفاء الطفلة وحول ما تردّد بشأن اختفاء الطفلة التي كادت أن تكون هي تحت الأرض الآن وليس مراد، يؤكد أسامة بأنها وبعد أن أبعدها مراد من السكة الحديدية ''كانت أول من تلطخت ثيابها بدم مراد، ولم ننتبه من شدة الصدمة إلى ما حصل بعد ذلك. غير أننا وبعد الاستفاقة من الصدمة، التفتنا نبحث عن الطفلة، فصدمنا مرة ثانية باختفائها! أين ذهبت لا ندري، ومع من كانت لا ندري..''. هنا ببلدية سيدي لخضر، لا حديث إلا عن مراد وما قام به، بالإضافة إلى وشاح الحزن الذي اتشحت به القرية الهادئة، فلا هم قادرون على تصديق ما حدث، ولا هم قادرون على نسيان مراد وتصرفه النبيل. وبعد ثلاثة أيام على الحادثة، لازال مراد محور حديث سكان عين الدفلى قاطبة، الذين يتذكرون حوادث مماثلة على نفس السكة، لكن من دون أن ينتبه أحد إلى تأمينها درءا للمآسي التي يروح ضحيتها أبرياء من دون قصد. وسألت ''الخبر'' بوعلام، شقيق مراد، عن أمنياته وآخر أيامه، فأجاب: ''كان مراد متواضعا جدا، وحريصا على الصلاة في أوقاتها في المسجد، لا أعرف عنه أنه أساء لشخص بالمنطقة، ولا أدل على ذلك من الحشد الكبير الذي حضر تشييع جنازته''. وفي نفس الاتجاه، يقول خاله إبراهيم: ''كان مراد معروفا بدماثة خلقه وحسن معاملته للناس، سواء في العائلة أو خارجها، كما كان صبورا يتحمّل ثقل المسؤولية التي حملها على عاتقه بعد وفاة والده (قبل 11 سنة)، إذ كان يكدّ ويجدّ كل يوم ليعيل أسرته المتكونة من ثمانية أفراد، ويوفر لهم قوت يومهم''.