لا أوافق السيد الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية حين يعتبر الرأي المخالف له مناقشة بيزنطية، أو طرحا إيديولوجيا. وكنت أتمنى أن يتخلى عن الطرح الدوفماتي، ويعتنق مقولة الفيلسوف الفرنسي المتنوّر ''فولتير''، الداعية إلى احترام الرأي الآخر بقوة، ''رغم أنني أختلف معك، فإنني مستعد أن أضحّي بحياتي من أجل أن تقول رأيك''، بدل تسفيه رأيي، وهو يدرك أن منطلقي هو تفكير علمي، منزّه عن المقاربة الإيديولوجية. وإن كنت أعترف بالفضل للمنتسبين إلى المحافظة السامية للأمازيغية، في النضال من أجل إعادة الاعتبار للمكوّن الأمازيغي في شخصيتنا الوطنية، فإن ذلك لا يلغي حق الاختلاف معهم، وإلاّ سيقضون على التفكير العلمي باسم شرعية النضال، مثلما قضى نظامنا السياسي الشمولي على الفكر الديمقراطي باسم الشرعية الثورية. إن جوهر النقاش ليس مركزا حول مكوّنات الهوية الجزائرية (الأمازيغية/ الإسلام / العربية)، فذلك أمر محسوم لا داعي للخوض فيه مجددا. بل يتمحور حول كيفية تدوين الأمازيغية، هل يستمر العمل بالحرف اللاتيني الذي وضعه الفرنسيون خلال فترة الاحتلال لحاجة في نفس الدولة الفرنسية؟ أم نعود إلى الحرف العربي الذي دوّن به أجدادنا تراثهم الثقافي لأكثر من عشرة قرون؟ وأعتقد سيدي الأمين العام أن هذه الإشكالية ليست مناقشة بيزنطية- كما تتصورون- بقدر ما هي مناقشة علمية مصيرية، هدفها اختيار الكتابة التي من شانها أن تقود الجزائر إلى بر الأمان. فالقضية - في نظري- أكبر من أن تحتكر المحافظة السامية أمر اختيار كتابة الأمازيغية بمفردها. ومما جعلني أطمئن إلى رأيي هذا أنكم أقررتم أن القضية الأمازيغية '' قضية وطنية لا يقتصر النظر فيها على المحافظة السامية للأمازيغية'' . إن ما تعتبرونه تهجما على المحافظة السامية للأمازيغية، هو في الحقيقة تعبير عن '' الحق في الاختلاف'' وتمسك بمبدأ '' تدافع الأفكار'' ( فكرة/ نقيض الفكرة/ تركيب جديد) الذي تعرفونه جيدا بصفتكم مثقفا تمارسون الكتابة الإبداعية. كما أن الطرح العقلاني يدعو إلى تجاوز مطبة تقديس الجهد البشري ( السياج الدوفماتي بالمفهوم الأركوني)، فالإنسان مهما سما مقامه المعرفي، يبقى إنسانا يؤخذ من كلامه ويرد عليه. فعلى هذا الأساس يجب أن يُفهم موقفي، فهو ليس إساءة لأحد وليس تبخيسا لجهود غيري. ذكرتم أن للأمازيغية ماضيا عريقا، وأنتم مُحقون في ذلك، لكن الغريب في موقفكم أنكم ترفضون رصيدها المدوّن بالحرف العربي، وهولا يزال حيا يرزق في المكتبات الخاصة والعامة خاصة في الجزائر والمغرب الأقصى وفرنسا، وفي هذا السياق أخبرني الدكتور عمار طالبي منذ أيام قليلة، أنه شاهد بأم عينه خمس مخطوطات باللغة الأمازيغية المكتوبة بالحرف العربي بمدينة فاس المغربية. إن الاعتراف بمرتبة الريادة للغة العربية، والعمل على استثمار الطابع الوطني للأمازيغية في مجال البحث والبعث، أكثر واقعية في رأيي، لأنه يزرع الاطمئنان في نفوس الجزائريين، ويقنعهم بأن الدعوة إلى ترقية الأمازيغية لا يتم على حساب اللغة العربية الجامعة. وفي الأخير أحرى بكم يا صاحب رواية'' سأحرق البحر'' أن تتجاسروا على حرق الرأي الآخر. كما أنني أشفق على قلمكم الذي لوثتموه بعبارات التجريح والقذف التي هي مرتدة لا محالة إلى صاحبها. * كاتب وباحث في التاريخ