يكشف الحديث مع أفراد شرطة الحدود الكثير من التفاصيل المثيرة، حول دورهم في مراقبة وتأمين سلامة التراب الوطني.. البعض منهم كان شاهدا على فاجعة تفجير مطار هواري بومدين بداية التسعينيات، وكذا حادثة اختطاف طائرة الخطوط الجوية الفرنسية، والبعض الآخر ساهم في الجسر الجوي الذي تم وضعه تحت تصرف مناصري ''الخضر'' للتوجه نحو أم درمان بالسودان والعودة بنصر التأهل إلى المونديال. مهمة مراقبة الحدود مع 7 دول ''ليست مستحيلة'' ''لعبة'' القط والفأر مع المهرّبين ليس من السهل مراقبة حدود الجزائر مع 7 دول، على طول 7011 كلم وشريطها الساحلي الممتد على مسافة 1200 كلم. فشرطة الحدود التي أسندت لها مهمة أمن ومراقبة نقاط العبور، تبدو صعبة عبر 26 مركزا حدوديا من خلال شريط حدودي يستغل في تهريب المخدرات والسلع. أما بخصوص الحدود الجوية والبحرية عبر 20 ميناء و36 مطارا، فإنها تعتبر دوما مسلكا ينتهجه المهرّبون للتحويل غير الشرعي للأموال من وإلى الخارج، إضافة إلى تهريب المخدرات، خصوصا الكوكايين القادمة من دول إفريقية، بعد أن تحوّلت الجزائر إلى معبر دولي لهذا النوع من النشاط المحظور. قامت فرقة شرطة الحدود بمطار هواري بومدين الدولي بالتنسيق مع مصالح الجمارك، بين 12 جويلية 2011 و17 ماي الجاري، بحجز 902, 21 كلغ من الكوكايين. المتهمون فيها رعايا أجانب من مختلف الجنسيات، لكن أغلبهم من بلدان إفريقية، من أجل تفادي هذه التهديدات التي تمس أمن الدولة والاقتصاد الوطني. يقول مدير شرطة الحدود، لرزق الغالي، إن مصالح شرطة الحدود اتخذت عدة إجراءات وتدابير أمنية إضافية، من خلال إقامة نقاط مراقبة أمنية دائمة على مستوى المنافذ الخارجية والداخلية، مزوّدة بالمعدّات والتقنيات اللازمة وتفعيل وتدعيم فروع الاستعلامات، مع إنشاء بنك معلومات في إطار استراتيجية شاملة لتسيير الحدود. ويعتقد محدثنا أن تزايد حركة المسافرين واتساع نطاق نشاط التهريب والجريمة المنظمة، في المناطق الحدودية الشرقية والغربية والجنوبية، فرض على شرطة الحدود اعتماد مخططين متكاملين، هما مراقبة الأشخاص وممتلكاتهم عبر المواقع الحدودية، ومراقبة بعض السلع الخاصة وأمن المنشآت الحدودية والحفاظ عليها، مضيفا أن لكل شريط حدودي خصوصياته. فالحدود الجزائرية التونسية معروفة بتهريب الوقود والمواد الغذائية، والحدود الجزائرية المغربية تتسم بتهريب المخدرات والوقود والأغنام، في حين تبقى الحدود الجزائرية الليبية، بعد الأحداث الأخيرة، الجهة المفضلة لتهريب المواد الغذائية والأسلحة والذخيرة، والوضع مشابه بالنسبة للحدود الجزائرية مع مالي والنيجر. واعترف مدير شرطة الحدود بصعوبة المهمة، لكنها، كما قال، ليست مستحيلة ''رغم الضغط الذي نلاقيه، فالعمل مستمر 24 ساعة على 24 ساعة، ويطال الإرهاق عناصرنا، لكن النتائج المرضية في الميدان تثمّن المجهود الذي نقوم به''. واستدل محدثنا بملاحظات المنظمة الدولية للطيران المدني التي أثنت على الإجراءات الأمنية المتخذة في مطار الجزائر الدولي، بعد قيامها بتفتيش سنتي 2004 و.2009 والأكثر من هذا، جعل هذا المنظمة تتقدم باقتراحات لكل من مصر وتركيا لتطبيق الإجراءات الأمنية في مطاراتها. وكشف المتحدث عن قرب الاستفادة من برنامج تكويني في فرنسا، حول تسيير الأزمات الأمنية على مستوى المنشآت، مع إمكانية المشاركة في بعض التمارين الأوروبية. بالمقابل، يرغب هؤلاء الأوروبيون في الاستفادة من تجربة الجزائر في محاربة الهجرة غير الشرعية والمراقبة الأمنية في محيط المطار قبل دخوله، وهو الإجراء المطبّق في مطار الجزائر دون غيره من مطارات العالم. شاهد من أهلها العميد حساين أحسن ل''الخبر'' ''345 كاميرا و1800 شرطي لتأمين مطار الجزائر'' يعتقد عميد الشرطة، حساين أحسن، رئيس الفرقة الثانية لشرطة الحدود الجوية لمطار هواري بومدين، في لقاء مع ''الخبر''، بأن ضبط النفس والعمل دون كلل والتركيز أثناء مراقبة المسافرين، غير كاف إذا لم يكن عناصر شرطة الحدود في حالة تأهب دائم، أضف إلى ذلك التكوين والتجربة في ميدان، وهي عوامل ساعدت على جعل مطار الجزائر من بين المطارات الأكثر أمنا في العالم. كيف تسيّرون مرفقا استراتيجيا وحساسا مثل مطار الجزائر؟ - تصنيف مطار هواري بومدين الدولي من قبل المنظمة الدولية للطيران المدني ضمن المطارات الأكثر أمنا في العالم لم يكن سهلا، وهو ثمرة مجهودات بذلتها شرطة الحدود، بفضل التكوين والتجربة في الميدان. أنت على رأس فرقة شرطة حدود المطار منذ عام ونصف، ماذا أضفت؟ - تمكنا خلال العام الماضي وبداية العام الجاري من حجز أزيد من 20 كلغ من الكوكايين، وحجز 8 كيلوغرامات من الذهب، واسترجاع أكثر من مليون أورو من الأموال التي كانت ستهرّب إلى الخارج، مع اكتشاف عشرات جوازات السفر المزوّرة. أعتقد أن هذا إيجابي، ويدفعنا إلى العمل أكثر. هل الوسائل كافية للحفاظ على هذه الديناميكية في العمل؟ - وضعنا 345 كاميرا مراقبة، وجنّدنا نحو 1800 شرطي لتأمين مطار يتردّد عليه يوميا أزيد من 30 ألف شخص بين مسافر ومرافق، ودخول أزيد من 20 ألف سيارة كل يوم إلى الحظيرة، ومطلوب منا تأمين المطار والمسافرين وسلامة الطائرات في آن واحد. أعتقد أن الأمر ليس بالهيّن، لكن ثقتي كبيرة في تجربة شرطة الحدود المكتسبة في الميدان، وهي ستجعل الخطأ غير مسموح به على الإطلاق. ماذا عن راحة الأعوان التي تتجاوز فترة عملهم 12 ساعة في اليوم؟ - في الحقيقة، ليس هناك يوم مخصص للراحة، فنظام العمل يتوزع على ثلاث فترات. ونحرص على توزيع عادل لراحة الأعوان، وبالشكل الذي يسمح باسترجاع لياقتهم ومباشرة العمل في مرفق يعتبر واجهة وصورة الجزائر في الخارج. إلى جانب طرد أزيد من 9 آلاف أجنبي 1800 شخص ممنوعون من دخول التراب الوطني أفاد مدير شرطة الحدود، لرزق الغالي، في تصريح ل''الخبر''، أن أزيد من ثلاثة ملايين جزائري سافروا إلى الخارج وعادوا إلى التراب الوطني خلال العام الماضي. كما سجلت نفس المصالح طرد حوالي ثمانية آلاف جزائري من الخارج، منهم 2006 مطرود، و1602 مقتاد، و559 مبعد، و3611 معاد. أما الرعايا الأجانب محل الإجراءات الإدارية خلال العام الماضي، فتم طرد نحو 9 آلاف أجنبي، 290 منهم تم طردهم بعد وصولهم التراب الوطني، و112 تم إبعادهم خارج التراب الوطني، مع تقديم إشعار ل7152 شخص بمغادرة التراب الوطني، وإبلاغ 1811 شخص أجنبي بأنه غير مسموح لهم دخول التراب الوطني. وعالجت مصالح شرطة الحدود 1551 قضية، أغلبها تتعلق بتقديم وثائق سفر مزوّرة، كالتأشيرة وجوازات السفر، ما أسفر عن إيقاف 1735 شخص، بينهم 475 متهم تم تقديمهم للعدالة للفصل في ملفاتهم. بورتريه محافظ شرطة الحدود بمطار هواري بومدين ''كنت أرتب إجراءات سفر وردة الجزائرية'' يروي محافظ شرطة الحدود بمطار هواري بومدين، كمال لزام، في لقاء مع ''الخبر''، كيف قضى سنوات من حياته في مطار الجزائر، عايش فيه أهم الأحداث التي شهدها منذ سنة 1992، تاريخ تفجير المطار، وكيف أسعف زملاءه المصابين، وكيف تجنّد رفقة أفراد شرطة الحدود لتجنّب الأسوأ في حادث تحويل طائرة الإيرباص الفرنسية في 1994، مرورا بأحداث سعيدة، كعودة الفريق الوطني من أم درمان متأهلا لمونديال جنوب إفريقيا. فقد ساهم هذا الرجل، رفقة موظفي المطار، في إنجاح الجسر الجوي بين الجزائر والسودان، لتمكين الأنصار من الالتحاق بملعب أم درمان لمناصرة الفريق الوطني. وذكر لنا أن العمل في المطار لأزيد من 12 ساعة ليس في كل الأحوال متعبا، فالعلاقات التي تربطنا بالشخصيات الرياضية والثقافية والفنية في البلاد وتسهيل تنقلها إلى الخارج في أحسن الظروف كثيرا ما يسعدنا. ولعل أبرز هؤلاء الراحلة وردة التي افتقدتها الجزائر والعالم العربي مؤخرا، والتي كثيرا ما كنت أتولى ترتيب إجراءات سفرها إلى مصر أو باريس وهي مرفوقة بابنها رياض، حتى صارت تناديني باسمي. ويلفت ''عميد'' الشرطة، كما يلقبه زملاؤه، كونه من أقدم عناصر شرطة الحدود، إلى أن العمل في المطار ''يتطلب الكثير من الصبر، فنحن نواجه توتر المسافرين والكثير من الجهد لنتعامل مع الآلاف منهم يوميا، ومنهم أجانب. إنها مهنة تفرض علينا الكثير من الدبلوماسية لاستقبالهم أحسن استقبال''.