يقضي سمير. ب، ابن حي القبة العاصمي، رمضان بإنجلترا منذ 10 سنوات. ورغم أنه الجزائري الوحيد في الحي الذي يقيم فيه، إلا أنه عرف كيف يستحضر ''ريحة لبلاد''، ليتذوّق أشهى الأطباق الجزائرية من إبداع زوجته الإنجليزية. وصل سمير إلى إنجلترا وهو في العشرين من عمره، شابا دون تجربة ولا خبرة عمل، غير أنه عرف كيف يتدبّر أموره ويتدرّج في العمل، ليشغل اليوم وظيفة رئيس الطباخين في مطعم إيطالي بمدينة ''ليشفيلد'' الإنجليزية. يقول سمير: ''صدقيني، وصلت إلى ديار الغربة وأنا لا أجيد قلي بيضة، غير أنني عملت بكد ليل ونهار لأطوّر نفسي وأكوّن ذاتي، فاحتككت بكبار الطباخين، والحمد لله لم يذهب جهدي سدى، فأنا اليوم رئيس الطباخين في مطعم إيطالي''. ويحرص ابن حي القبة على معايشة روحانية الشهر الفضيل، ف''رمضان عبادة بالدرجة الأولى''، إذ يعمل على تقليص ساعات العمل، ويخصص بعض الوقت للراحة، وبالطبع، لا يفوّت الصلاة في أوقاتها، كما يحاول قدر المستطاع الحفاظ على صلاة التراويح في المسجد عندما لا تكون لديه ارتباطات عمل. ويُقرّ سمير بصعوبة العمل في رمضان، رغم إيمانه بأنه عبادة، لكن صعبا أن تقدّم طعاما للآخرين وأنت صائم، مواصلا: ''حقا، ليس سهلا أن تقف في المطعم طيلة النهار وتحضر الطعام للزبائن في رمضان، لكن أحمد الله أن زملائي في المطعم يتفهمون، فلا يأكلون ولا يشربون أمامي، كما يُسمح لي بالصلاة، ويخصص لي الوقت الكافي للإفطار''. ويقضي سمير جزءا من يومه في التسوّق للمائدة الرمضانية، بينما يترك مهمة تحضير المائدة لزوجته الإنجليزية، التي تبدع أناملها أطباقا لا تختلف كثيرا عمّا تعدّه الوالدة في الجزائر، حسب محدثنا. يقول: ''تعلمت مني زوجتي الكثير من الأطباق الجزائرية، حتى أنها أصبحت تعدّها بإتقان كبير، على غرار ''الشوربة'' و''البوراك'' و''المتوم'' الذي أعشقه، وجلّ الأطباق الجزائرية والمغاربية، فنحن في عصر الأنترنت، والوصفات متاحة للجميع''. ورغم أنه تعوّد على أجواء الغربة، إلا أن العائلة و''قعدة لحباب'' أكثر ما يشتاق إليه سمير، غير أنه وجد في ''السكايب'' ما يطفئ لهيب شوقه للوالدة على وجه التحديد، مواصلا: ''في رمضان، يزيد الشوق للعائلة، لكن أشعر أحيانا أنني بين أحضان عائلتي وأنا أحدثهم عبر (السكايب)، حقا الأنترنت نعمة لمن هم مثلي، فأنا أعايش أجواء رمضان في بيتنا، وأتطفل على مائدة الإفطار أيضا''. ولأنه الجزائري الوحيد في الحي الهادئ حيث يقيم، لا يفوّت سمير فرصة زيارة لندن مرتين على الأقل في رمضان، للالتقاء بالأصدقاء واستحضار ''ريحة لبلاد'' و''بنة رمضان''، لكنه يعود سريعا إلى بيته، فلا يمكنه الابتعاد طويلا عن ابنه الرضيع كريم شريف. يضيف سمير: ''في لندن، تشعر أنك في الجزائر، وتستحضر ذكريات رمضان زمان، وصدّقوني عندما أصل إلى هناك أضطر أحيانا لعدم إخبار جميع الأصدقاء، فدعوات الإفطار تتهاطل عليّ من الجميع.. حقا، رمضان لا تكتمل فرحته دون الأحباب''.