الصّحابي الجليل عبد الله بن رواحة الخزرجي الأنصاري، رضي الله عنه، وكان يكنّى أبا محمد. وقد حضر بيعتي العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق، وكان أحد شعراء النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، الثلاثة، وكان عابدًا محبًا لمجالس العلم والذِّكر. كان ابن رواحة كثير الخوف والخشية من الله، وكان يبكي كثيرًا، ويقول: إنّ الله تعالى قال: {وإنْ منكم إلاّ واردها} مريم 71. فلا أدري أأنجو منها أم لا؟ وكما نصر عبد الله الإسلام في ميدان الكلمة، فقد نصره باقتدار في ميدان الحرب والجهاد بشجاعته وفروسيته. وكان أمينًا عادلاً، وقد أرسله النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، إلى يهود خيبر ليأخذ الخراج والجزية ممّا في أراضيهم، فحاولوا إعطاءه رشوة ليخفّف عنهم الخراج، فقال لهم: يا أعداء الله، تطعموني السُّحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحبّ النّاس إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم (أي أتعامل معكم بالعدل). وفي شهر جمادى الأولى من السنة الثامنة للهجرة، علِم الرّسول، صلّى الله عليه وسلّم، أنّ الروم قد حشدوا جيوشهم استعدادًا للهجوم على المسلمين، فأرسل النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، جيشًا إلى حدود الشام عدده ثلاثة آلاف مقاتل، ليؤمِّن الحدود الإسلامية من أطماع الروم، وجعل زيد بن حارثة أميرًا على الجيش، وقال لهم: ''إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رَواحة''. وواصلوا مسيرتهم حتّى نزلوا قرية بالشّام تسمّى مؤتة، وفيها دارت الحرب، وقاتل المسلمون أعداءهم قتالاً شديدًا، وأخذ زيد بن حارثة يقاتل ومعه راية المسلمين، فاستشهد زيد، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وراح يقاتل في شجاعة حتّى استشهد، فأخذ عبد الله الراية، فأحس في نفسه بعض التردّد، ولكنّه سرعان ما تشجّع، وراح يقاتل في شجاعة، ونال عبد الله الشّهادة، ولحق بصاحبيه زيد وجعفر.