توجد هذه المدرسة بقلب مدينة تلمسان، وهي المدينة العريقة في التاريخ والحضارة، وقد تشرّفت بزيارة الأستاذ العلامة عبد الحميد بن باديس سنة 1932 برغبة ملحة من أهلها الّذين رحّبوا به وهرعوا عن بكرة أبيهم لاستقباله. فألقى بها درسًا أحدث به دويًا كبيرًا، وتأسّف الكثير من الّذين لم يسعفهم الحظ في الحضور، بسبب ضيق المكان خاصة وأنّهم يسمعون لأوّل مرّة للشيخ بن باديس، ونزل بعد ذلك ضيفًا في منزل أحد المصلحين، واحتفت به جماعة من علية القوم، فدار حديثهم على من عسى أن يكون قائدًا للحركة العلمية والإصلاحية في تلمسان، فوعدهم بإرسال مَن تتوفّر فيه الشروط. ولمّا عاد إلى قسنطينة عرج على صديقه وأخيه ورفيق دربه في الكفاح والدعوة، الأستاذ البشير الإبراهيمي، وألقى عليه رغبته في الالتحاق بتلمسان، واستجاب الإبراهيمي بهذه الميزة التي خصّه بها بن باديس وحلّ بتلمسان في أوائل سنة 1933، وما أن نزل بها حتّى احتفى به أهل تلمسان فنظّم دروسًا كثيرة كان يبدأها بعد صلاة الصّبح وينهيها بدرس بعد صلاة العشاء، علاوة على المحاضرات الّتي كان يلقيها في النّوادي والبساتين والأحواش، فأحدث انقلابًا مدهشًا في العقيدة وبنى قاعدة صلبة، واتّفق الجميع على بناء مدرسة تضم التلاميذ والتلميذات والشباب ومسجد يأوي إليه كبار النّاس، وقد اجتمع رجال العلم والإصلاح وهيّأوا أرضًا تسع لإنشاء مسجد ومدرسة وكلّفوا المعماري ابن مدينة تلمسان ''بن قلفاط'' بتصميم المخطّطات ورسمها، وخلال سنة واحدة اكتمل بناؤها على نسق هندسي أندلسي أصيل. وفكّر الإبراهيمي في إقامة حفل ضخم بمناسبة افتتحاها، فدعا علماء من المغرب وتونس، أمّا من الجزائر فقد حضر جميع أعضاء جمعية المسلمين الجزائريين والكثير من أبناء المدينة، وكان الافتتاح يوم الاثنين 21 رجب 1356ه الموافق ل27 سبتمبر 1937، وقد أسند شرف فتحها للشيخ عبد الحميد بن باديس ليدخل الجميع إلى باحتها وأقسامها. وقد تعرّضت مدرسة دار الحديث لكلّ ما تعرّضت له بقية مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فأغلقت بأمر من رئيس الدائرة الفرنسي سنة ,1938 وبعد شهور قليلة أعيد فتحها. وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية توقّفت عن النشاط عندما نفي الإبراهيمي في 04 أوت 1939م إلى مدينة أفلو التي قضى فيها منفاه لثلاث سنوات، ثمّ فتحت بعد إطلاق سراحه سنة 1943م فاستأنفت نشاطها الذي لم يتوقف إلاّ في 29 ماي 1956م حين أغلقت من طرف الاستعمار الفرنسي وانضم عدد كبير من تلامذتها إلى الثورة التحريرية واستشهد البعض منهم.