تجدهم منهمكين عبر الطرقات السريعة والفرعية، وعبر الأحياء والمجمّعات السكنية، في تصليح وتنظيف المسالك والممرات، وسط ظروف مهنية قاسية، في ظل انعدام الوسائل والأدوات.. يتحمّلون حرارة الصيف وبرودة الشتاء، ولا يعرفون طعم الراحة، خاصة أن جدولهم الزمني غير محدّد وقد يمتد، في بعض الأحيان، إلى ساعات متأخرة من الليل، مقابل أجر لا يتعدى 13 ألف دينار. لا منحة الخطر ولا أدوات العمل وأجر لا يتعدى 13 ألف دينار صيانة الطرق وقنوات الصرف بوسائل بدائية يرتدون بزات برتقالية، عساها تخطر بوجودهم، وتقيهم من حادث مفاجئ قد يودي بحياتهم عبر أحد الطرقات السريعة.. هم عمال الأشغال العمومية، وعددهم يفوق المليونين، يضطرون لتحمّل مشقة الأعمال وأعباء الظروف الجوية من أجل ''الخبزة''، والعمل لأزيد من 10 ساعات يوميا، حسبما أكده لنا العديد ممن تحدثنا إليهم، حيث أبدوا استياءهم من سوء الظروف التي يمارسون فيها عملهم الذي بات لا يضمن لهم الحد الأدنى من الحقوق، رغم أهميته بالنسبة للمواطنين والوطن. ويقوم هؤلاء، حسب ما رصدته ''الخبر'' في جولة ميدانية عبر طرقات العاصمة، بإصلاح قنوات الصرف، وإصلاح الأعطاب عبر الطرقات السريعة، والصيانة، ويسهرون على نظافة حوافها من الأعشاب الضارة والنفايات التي يلقيها مستعملو الطريق، ومهام أخرى عديدة تحدّد من طرف مسؤوليهم بمختلف مديريات الأشغال العمومية عبر الولايات. والأخطر في هذا كله اضطرار العمال للقيام بأشغال لا تتوفر فيها أدنى الشروط المطلوبة من حيث إمكانيات العمل، فيضطر العمال إلى حمل الأوساخ المتواجدة عبر الطرقات السريعة بأيديهم، فما لفت انتباهنا أن هؤلاء لا يملكون قفازات تقي أيديهم من التلوث بالقذارة، كما لا يرتدون أحذية خاصة تجنّبهم حوادث قد تؤدي إلى إصابتهم بعاهات مستديمة، أو قبعات تحمي رؤوسهم، على الأقل من حالة الطقس، فتجدهم يرتدون ملابس عادية ونعلا باليا. التقينا موسى، عامل صادفناه بالطريق السريع الرابط بين الحراش وأول ماي، فقال إن مسؤوليهم عادة ما يعدونهم بتوفير القفازات والقبعات والأحذية المؤمنة وملابس العمل، ويؤكدون أنهم أودعوا طلبات لدى الجهات المعنية ''إلا أننا لا نرى أي شيء من هذا، أين تذهب؟ الله أعلم!''. من جهته، قال كريم إن العمل الذي يمارسه منذ أزيد من 5 سنوات، لا يوفر لهم الحد الأدنى من الحماية الصحية والمادية، حيث يجازفون بحياتهم من أجل عمل لا تمكنهم أجرته من إعالة عائلاتهم، كما لا تتيح لهم الاستقرار في المهنة، بسبب المجهود الضخم المقدّم الذي يؤثر بصفة مباشرة على حالتهم الصحية، ويؤدي إلى إصابتهم بأمراض خطيرة، في ظل غياب إجراءات الأمان اللازمة، واستعمالهم للعديد من المواد التي قد يكون البعض منها ساما. كما يضطر عمال الأشغال العمومية إلى حمل مواد البناء أو بعض التجهيزات الثقيلة، والبقاء لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، فيما تصبح معاناتهم خلال فصل الشتاء مضاعفة، حيث تكثر الانسدادات في قنوات الصرف عبر الطرقات السريعة والرئيسية وبعض التجمّعات السكنية، ما يستدعي تدخلهم المباشر لإصلاحها، رغم سوء الأحوال الجوية. ويضيف كريم أن الإضراب الذي شنّه العمال، السنة الماضية، لم يفلح في تحريك الجهات المعنية، من أجل الالتفات لهذه الفئة وتسوية وضعيتها. أما مسعود الذي يتجاوز سنه ال40 سنة، فقد أوضح أنهم ''فئة محرومة''، تنتظر التفاتة جادة من طرف السلطات المعنية، بعد المطالب التي تم رفعها إلى الوزارة المعنية والمديريات الفرعية عبر الولايات. وقال إن العمال ينتظرون منذ وقف الإضرابات نتائج اجتماعات اللجنة مع ممثلي الوزارة، أو زيادة في أجورهم. وقال إنهم، إلى جانب الخطر الكبير على حياتهم، فإنهم محرومون من مصاريف النقل والإطعام والعلاج، ما يستدعي، حسبه، تحركا سريعا من طرف الجهات المسؤولة، لتفادي أي انزلاق في الأوضاع بعد الدخول الاجتماعي الجاري. وقال مراد الذي يتنقل يوميا من بلدية بوفاريك بالبليدة إلى العاصمة للعمل، إنه مضطر لتحمّل أعباء العمل من أجل كسب قوت اليوم، رغم أن التنقل اليوم، حسبه، يقضي على نصف راتبه، بالإضافة إلى كون أغلب عمال القطاع يعملون بصفة تعاقدية، ومنهم من تجاوزت مدة خدمته 20 سنة، دون أن يستفيدوا من التنصيب، وهو ما ولّد في نفسه شعورا بكونه يتعرّض للاستغلال، ورغبة في ترك العمل والاستسلام للبطالة. بورتريه عديان السعيد يتنقل من تابلاط ويعمل لأزيد من 10 ساعات يوميا ''رفاقي ماتوا أمامي وعائلاتهم لم تستفد من التعويض'' لم يمانع عديان السعيد، 32 سنة، من التحدث عن المعاناة التي يمرّ بها يوميا، من إطار أدائه لمهامه كعامل بالمؤسسة الوطنية للأشغال العمومية، حيث أكد على سوء الظروف التي يعمل في إطارها ورفاقه ليوم كامل. واسترسل السعيد في الحديث، وكله أمل في أن تتمكن قصة معاناته من تليين قلوب المسؤولين للالتفات إلى فئتهم، حيث أكد أن الاحتجاجات التي شارك فيها بداية السنة الجارية لم تفلح في افتكاك حقوقهم والرفع من مستوى أجورهم، وقال إن ساعات العمل غالبا ما لا تحدّد، حيث يضطر العمال في فصل الصيف إلى الاستيقاظ باكرا للقيام بواجباتهم وتفادي لفحات الشمس، وهو ما يجبرهم أحيانا على القيام بعمل مضاعف، وأكد أنه كثيرا ما يتم استدعاء العمال في فترات الراحة للقيام بأعمال محدّدة، أو استدعاؤهم خلال الليل للقيام بأعمال طارئة لا يمكن تأجيلها إلى صباح اليوم الموالي. وقال إن عملهم في هذه الفترة يتم دون حماية أمنية، وهو ما يجعلهم عرضة للاعتداءات من طرف جماعات منحرفة، تسعى إلى سرقة المعدّات التي تكون بحوزتهم، رغم بساطتها في بعض الأحيان. وبعد 4 سنوات خدمة، ابتداء من سنة ,2009 أكد السعيد أنه فقد الأمل في إصلاح الوضع، وإعادة الاعتبار لهذه الفئة من العمال التي لا تتقاضى حسب تأكيداته ''إلا الفتات، رغم أنها تقوم بأعمال شاقة''. وشبّه المتحدث نفسه ب''السجين'' الذي يكون مجبرا على أداء الأعمال الشاقة في فترة العقوبة، في وقت يفترض، حسبه، أن يولى لهذه الفئة احترام وقيمة خاصان. وقال السعيد إنه يتنقل كل صباح من بلدية تابلاط، في ولاية المدية، من أجل القيام بعمله في العاصمة، وأكد أن غياب النقل الخاص بالعمال زاد من صعوبة الوضع، في ظل المسافات البعيدة التي يتنقلها العمال يوميا، خاصة أن أغلب العاملين في المجال، يضيف السعيد، من خارج العاصمة، حيث ''لا يقبل الكثير من العاصميين التوظيف كعامل أشغال عمومية أو عون نظافة''. وقال السعيد إنه شهد عدة حوادث عمل راح ضحيتها رفاقه، جرّاء تهور مستعملي الطرقات، أو غياب وسائل الوقاية والحماية من طرف الجهات المعنية، حيث أكد أن الأحياء منهم لم يستفيدوا من أي تعويضات، في حين لم يتم التكفل بعائلات المتوفين منهم، الذين بقوا محرومين من المنح إلى غاية اليوم، وأضاف: ''لا أحد ينظر إلينا، نقوم بعمل هام ونعيش ظروفا يومية لا إنسانية''. وقال إنه مجبر على الصيام بشكل يومي والاكتفاء بقارورة ماء صغيرة، نظرا لقلة المدخول، وغياب منحة الغذاء التي تقدم لهم في شكل ''بقشيش''. شاهد من أهلها رئيس نقابة الشركة الوطنية للأشغال العمومية ل''الخبر'' يجب رد الاعتبار لعمال الأشغال العمومية لتفادي الانزلاقات أكد رئيس نقابة الشركة الوطنية للأشغال العمومية، أفاوة عبد المالك، في حديث مع ''الخبر''، على أهمية مراعاة الإدارة لمطالبهم، المتعلقة بالأمن الوقائي، وجانب السلامة في مجال عملهم، خاصة بعد حوادث العمل التي يتعرّض لها هؤلاء خلال أدائهم لمهامهم. وأشار إلى أهمية منحة الخطر التي ستمكنهم من معالجة الإصابات التي يتعرّضون لها، والتكفل بوضعيتهم. ما هو أهم انشغال يطالب به العمال؟ يحرص العمال على توفير الأمن الوقائي أثناء العمل، والحماية من حوادث العمل المتعلقة بطبيعة الأشغال التي يقومون بها على مستوى الطرقات الولائية والفرعية، خاصة أن عدد الإصابات ارتفع في السنة الماضية إلى 300 عامل. وماذا تقولون عن ظروف العمل؟ يعمل معظم المنتسبين إلى هذا القطاع في ظروف قاهرة، الأمر الذي يتطلب إحداث بعض التعديلات، خاصة فيما يتعلق بالرواتب. وفي هذا السياق، يطالب العمال برفع منحة الغذاء المقدرة حاليا ب17 دينارا، في حين تشهد المواد الاستهلاكية ارتفاعا فاحشا في الأسعار، وهو ما يعتبر تحت الحد الأدنى من سعر الغذاء، ما يجبرهم على الاكتفاء بالخبز ومشروب غازي أو قطعة جبن. إلى جانب أحقيتهم في منحة العدوى لعمال الصيانة والنظافة عبر الطرقات السريعة، وكذا تثبيت العمال المتعاقدين في مناصبهم، وترسيم كافة العمال في مناصب دائمة. هل قدّمتم هذه المطالب للجهات الوصية؟ هذه المطالب تدرس حاليا في إطار لجنة مكوّنة على مستوى وزارة الأشغال العمومية، والتي سيتم رفعها إلى الحكومة مستقبلا، بعد الاتفاق على الأرضية مع النقابة. كما أن أرضية المطالب التي حدّدت خلال السداسي الأول من السنة، ينبغي أن ترى النور في الفترة القليلة المقبلة، من أجل تفادي أي انزلاق من طرف العمال الذين أعلنوا، مؤخرا، استياءهم من الصمت وتماطل الإدارة، خاصة قبل التعديل الحكومي الأخير. إن مطالب العمال بسيطة، ولا تتكلف جهدا إداريا لتلبيتها، خاصة ما تعلق منها بحماية العمال من المخاطر أثناء ممارسة الأشغال على مستوى الطرقات، مع تخصيص منحة الخطر، نظرا لتعرّض الكثير منهم لإصابات، ومنحة العدوى للعمال الذين يشتغلون في الصيانة والنظافة عبر الطرقات السريعة خاصة، وضرورة رد الاعتبار للعمال الذين أصيبوا بعاهات مستديمة أثناء حوادث عمل، وكذا تخصيص منحة دائمة لهم وتعويض عائلات الموتى منهم. ما هو الأجر الذي يتقاضاه العامل في هذا القطاع؟ أغلبية العمال الذين يزيد عددهم عن مليوني شخص، يتقاضون أجرا قاعديا يقدر ب9000 دينار في الشهر، فيما لا يزيد الأجر كاملا عن 13 ألف دينار، وهو مبلغ لا يسدّ الاحتياجات اليومية للعمال، كما لا يمكّن الشباب منهم من فتح بيوت والاستقرار، على غرار عمال القطاع في بلدان أخرى. إن هذا الأجر إذلال للعامل، خاصة أنه لا يمكّنه إلا من ''إسكات جوعه''.