لا شك أنّ حضور القلب في العبادة واستشعار مراقبة الله تعالى على الدوام من أعظم مطالب العبد ليسعد في دنياه وآخرته. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في شرح وصية نبي الله يحيى بن زكريا عليهما السّلام وقوله في: ''وَآمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ، فإذا صليتم، فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت'' رواه البخاري. إنّ الإلتفات المنهى عنه في الصّلاة قسمان: أحدهما، التفات القلب عن الله عز وجلّ إلى غير الله تعالى. والثاني، التفات البصر، وكلاهما منهي عنه. ولا يزال الله مُقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره، أعرض الله تعالى عنه، وقد سُئِل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التفات الرجل في صلاته فقال: ''اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد'' رواه البخاري. وفي الأثر: يقول الله تعالى: ''إلى خير منّي، إلى خير منّي''. ومثّل مَن يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه، مثل رجل قد استدعاه السلطان، فأوقفه بين يديه، وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينًا وشمالاً، وقد انصرف قلبه عن السلطان، فلا يفهم ما يخاطبه به، لأن قلبه ليس حاضراً معه، فمَا ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان، أفليس أقل المراتب في حقّه أن ينصرف من بين يديه ممقوتًا مبعدًا قد سقط من عينيه؟