تزامن جنازة شهيد الثورة التونسية، شكري بلعيد، مع ذكرى مجزرة ساقية سيدي يوسف التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية في الثامن فيفري 1958، يحمل أكثر من دلالة ورمزية. فإذا كانت الظاهرة التاريخية لا تعيد نفسها فإنها تلهمنا وتساعدنا في فك طلاسم الحاضر والمستقبل. تزامن الذكريين يؤكد لنا، للأسف، أن الأنظمة المغاربية ما بعد الاستعمار أجهضت حلم مؤتمر طنجة في سنة 1958 لتأسيس الشمال الإفريقي وحصرت وحدة المصير المشترك في أحداث مخضبة بالدماء كساقية سيدي يوسف، اغتيال التونسي فرحات حشاد والمغربي مهدي بن بركة والجزائري كريم بلقاسم، وإلى وقت قريب عبد الحق بن حمودة، بتوافق تام بين الأنظمة الرجعية الحاكمة والقوى الأصولية الظلامية المضادة للثورة. أصبحت الدموع والدماء والمآسي والاغتيالات والتأبينيات هي القواسم المشتركة بين الشعوب المغاربية. تحالف الأنظمة حال دون تحول الدماء إلى حرية والدموع إلى أمل والعشريات السوداء والحمراء إلى عشريات ذهبية ورفاهية وتفاهم وتبادل بين الشعوب. ورأينا كيف أن تحالف الأنظمة ضد الشعوب تجلى في استقبال الجزائر لعائلة القذافي ورفضها دخول الصحفي والشاعر توفيق بن بريك المعارض لزين العابدين بن علي ومضايقة راضية نصراوي خلال زيارتها للجزائر. فهل قدر الشعوب المغاربية أن تلتقي في المواكب الجنائزية لدفن رموز نضالية تشكل مشاريع نهضة حقيقية وتحويل مغرب الدم إلى مغرب الأمل؟ نوجه خالص تعازينا للأشقاء التوانسة في شكري بلعيد ونناشدهم بدمائنا التي اختلطت في ساقية سيدي يوسف الحفاظ على الثورة، لأن خلاصهم من خلاصنا، ولتفادي ضياع اللحظة الثورية التي ضيعناها ذات صائفة من سنة 1962. قطع الطريق أمام المتشدقين والمشككين في قدرة الشعوب المغاربية على القيام بالثورة، وتسفيه من يكفرون بربيع عربي إرضاء للطغمة الحاكمة. نجاح الثورة في تونس ومصر وبلدان أخرى هي أول خطوة في جنازة أنظمتنا المهترئة والفاسدة التي تختلس النظر في ثقب الباب، كما يقول الشاعر مظفر النواب، وتترصد لحظة هتك عرض الثورة لتجثم على صدورنا وتخلد في الكراسي بتوريث السلطة بمساعدة القوى الظلامية. [email protected]