اعلم أنّ الله جميل يحبّ الجمال، وأنّ الجمال سرّ الحياة، والحبّ سرّ الجمال، والتّواضع سرّ الحبّ، فأهل الفن يرون جمال الحقّ في كلّ الألوان، ويذوقون قربه بشتى الأذواق، أولئك أهل سلم وطهارة، يضحون بفنهم لإظهار الحقّ، فيشتاق الفن النّبيل إلى خدمتهم، كما اشتاقت البقرة الصّفراء الفاقع لونها إلى إظهار الحقّ على يد نبي الله موسى، عليه السّلام، حينما أمر قومه أن يذبحوها ويضربوا القتيل ببعضها، فأحيا الله القتيل وأظهر الجاني وأقيم القصاص، فهذا هو الجمال الذي يحبّه الجميل وما سواه فتنة وغرور. ألم يقل ربّنا تعالى: {وُجوه يومئذ ناضرةٌ إلى ربِّها ناظرة} القيامة 22 .23 بلى!! فالذين يتجمّلون في الدّنيا بجمال الاتصال وحسن الفعال، يدخلهم ربّهم حضرة القبول، ويجلسهم على منابر من نور، يغبطهم النّبيّون والشّهداء ويكرمهم بالحسنى وزيادة. فليس لهذا الجمال نهاية، ولا لأرضيته حدود، فهو للجميع، والجميع له بلا عصبية ولا حزبية، فلغته لغة القلوب المطمئنة للجميل، ونوره يوقد من شجرة العقيدة، لا شرقية ولا غربية، نور على نور، يهدي الله لنوره مَن يشاء، فهو ملك يتوارثه أهل العواطف الرّقيقة، أهل السّخاء واليقين. وما سواه حبل من حبائل الشّيطان الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السّعير، فيخوف أولياء ويدعوهم إلى حرية الغاب، ويصدّهم بمشاكل وهمية عن الحياة الباقية، تراهم مذبذبين بين ذلك، لا إلى أمن مستقرّ ولا إلى حرية فكر وضمير. ومضت علينا أحقاب نعاني من هوانهم، حتّى أخرجتنا اليد الإلهية إلى الحرية، واستجاب الله دعاء المخلصين منّا. قال تعالى: {ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لنَنْظُر كيف تعملون} يونس .14