اعتبرت السيدة نورية بن غبريط رمعون، مديرة مركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، في حوار مع ''الخبر''، بأن مشروع إطلاق تسميات على شوارع ولاية وهران تحت إشراف وحدة ''رصيد'' بمثابة تجربة نموذجية على المستوى الوطني، يمكن تعميمها فيما بعد لتنميط وتدقيق تسميات كل ولايات الوطن. هل بإمكانكم تقديم لمحة عن المشروع الوطني النموذجي لتسمية شوارع ولاية بوهران بمقتضى اتفاقية مع وحدة البحث حول أنظمة التسميات في الجزائر ''رصيد'' التابعة لمركز البحث حول الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية؟ تعتبر الاتفاقية الممضاة مع مصالح ولاية وبلدية وهران لتسمية الشوارع والأماكن العمومية، بمثابة تجسيد لأبحاث جارية منذ سنوات حول علم أسماء الأماكن (الطوبونوميا)، من طرف باحثين بوحدة البحث حول أنظمة التسميات ''رصيد'' الكائن مقرها بالجزائر والتابعة لمركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية. وقد استغلينا فرصة إطلاق عبد المالك بوضياف لعملية عصرنة ولاية وهران لاقتراح المشروع، من منطلق أن عصرنة المدينة مرهون بتنميط وتحديد تسميات الأماكن العمومية. وقد لقي المقترح استجابة سريعة من طرف الوالي الذي طلب الانطلاق من تسمية محطات الترامواي بوهران، لتفادي وقوع نفس الفوضى والأخطاء التي عرفتها تسميات محطات الترامواي والميترو في الجزائر العاصمة. وبالنظر لأهمية العملية النموذجية على المستوى الوطني، كلفنا فريق بحث متكوّنا من عشرين باحثا مؤهلا لمباشرة العمل الميداني، تحت إشراف خبراء دوليين وجامعيين، من أمثال فريد بن رمضان، وردية يرمش وابراهيم عطوي وباحثين التحقوا مؤخرا بالوحدة. وشملت المرحلة الأولى عقد مقارنة بين خرائط المدينة والواقع، واكتشف الباحثون تناقضا صارخا، تمثل في تواجد تسميات على الخريطة لا وجود لها في الميدان أو العكس. كما سمحت المعاينة الثانية بالوقوف على الوضعية المزرية للوحات الحاملة للأسماء، وتواجدها في مواقع غير لائقة. وقام فريق البحث، كذلك، بتحقيق ميداني استغرق 10 أشهر مع سكان مجمع وهران الكبير، حول مدى معرفة المواطن لأسماء الشوارع الرسمية، وفي المقابل الأسماء غير الرسمية المستعملة من طرفهم. كيف كانت نتائج التحقيقات التي قام بها فريق البحث التابع للمركز؟ أظهرت الأبحاث واقعا كارثيا، وانعكاساته السلبية على تسيير الدولة والمؤسسات العمومية التي تجد صعوبة لتبليغ قراراتها المختلفة للمواطن من جهة، ومن جهة أخرى، بات المواطن يجد صعوبة في تلقي الرسائل والطرود البريدية واستدعاءات مختلف الإدارات. كما أن غياب التسميات للشوارع والأماكن العمومية أفقد الأطفال القدرة على إيجاد معالم محدّدة ومنمطة لمحيطه القريب والبعيد، وبالتالي يسعى لخلق معالم غير رسمية خاصة به لتدارك الفراغ، بأسماء اعتباطية لا تمت بصلة للمكان والهوية الوطنية. لذا، يجب استحداث تسميات مستوحاة من تاريخ الأمة وذاكرتها الوطنية، لأن المدينة يجب أن تكون حاضنة وحاملة لذاكرة وتاريخ الوطن، من خلال شخصيات تاريخية وعلمية تكون معالم للأجيال القادمة، انطلاقا من الحي. وتكتسي المدرسة أهمية كبيرة في نشر هذه الثقافة، حول تسميات الشوارع والأماكن العمومية. بعد استكمال المعاينة الميدانية وجمع المعطيات، متى سيتم تجسيد المشروع في الواقع؟ ارتأينا مباشرة العملية من حي ''إيسطو''، نسبة إلى جامعة العلوم والتكنولوجيا لوهران، الواقع في الجهة الشرقية للولاية، كخطوة أولى، قبل تعميم العملية لكل ولاية وهران. وبالنظر للطابع الجامعي للحي الذي يحتوي على العديد من المؤسسات الأكاديمية والبحث والمعاهد والجامعات والإقامات الجامعية، سيتم اقتراح تسميات لشخصيات علمية عالمية ومحلية في مختلف التخصصات العلمية والأدبية، دون إغفال الشخصيات التاريخية، من شهداء ومناضلين في الحركة الوطنية، ومثقفين من ضحايا الإرهاب، ومن ثمة تعميم التجربة تدريجيا، لتشمل باقي مناطق الولاية. وقد قدمنا عرضا أمام المنتخبين في المجلس الشعبي الولائي وفي المجالس البلدية ووالي وهران حول المشروع، ولاقى استحسان الحضور.