من يُشكك مجرد التشكيك في دور النواب الذين انتخبهم الشعب في استحقاقات العاشر ماي الماضي فهو مُخطئ على طول الخط، ومن يعتقد جازما بأن نزلاء البرلمان يكتفون فقط بتسخين الكراسي ورفع الأيادي للمصادقة على مشاريع القوانين التي تقترحها السلطة من وقت لآخر هو مجانب للصواب مغال في التنكر، ومن يرى أيضا بأن همّ أعضاء الغرفة السفلى هو فقط تحصيل الراتب الشهري الضخم، والتمتع بالحصانة والامتيازات المادية العديدة، لا يعدو أن يكون حاقدا ناقما، أوغل صدره الغلّ، وتمكّن منه الحسد أيّما تمكن. الدليل على كلامي هذا، هو نبرة السخط والغضب التي استظهرها مؤخرا نواب الحزب العتيد المستأثر بنصف مقاعد البرلمان، بكسرهم لجدار الصمت أخيرا، وإعلان احتجاجهم صراحة على ممارسات لا يمكن السكوت عنها، حيث عبّروا في بيان وقعه السواد الأعظم منهم عن امتعاضهم من سياسة التمييز والإقصاء في اختيار الأعضاء الذين يمثلون البعثات البرلمانية إلى الخارج، والوفود المكلفة بتمثيل المجلس في هيئات دولية أو مهمات في إطار الديبلوماسية البرلمانية، مقترحين نظام القرعة، حتى يتسنى لجميع النواب السفر إلى الخارج تحت مظلة البرلمان. نعم في غمرة الاحتجاجات العارمة التي يقودها أبناء الجنوب منذ أسابيع، وفي عزّ ''الخالوطة'' التي تدور رحاها في جسم حزب الأفالان للإجماع على هوية من سيخلف عبد العزيز بلخادم، الأمين العام المخلوع من قبل أعضاء اللجنة المركزية، ورغم استمرار الخطر الداهم الذي يتهدد شريطنا الحدودي بفعل استمرار القتال في شمال مالي، وتوالي قضايا الفساد التي فاحت رائحتها، وتورط فيها مسؤولون كبار كانوا إلى وقت قريب في عداد الزمرة الحاكمة.. أمام كل هذا وغيره، لم يتورع نواب أول حزب في الخارطة السياسية للبلد، في الاحتجاج علنية على طريقة توزيع السفريات الديبلوماسية، وشعارهم في ذلك لا يوجد نائب على رأسه ريشة، ولا فضل لنائب على نائب آخر إلا بالقرعة. والحال كذلك، لا غرابة في أن نسمع عن ردة فعل الشباب البطال الذي عمد بشكل تلقائي إلى طرد وفود من النواب في ورفلة وغرداية جاءوا إلى مواقع الاحتجاج لتهدئة محتجين بؤساء أنهكتهم البطالة، وعذبتهم البيروقراطية، وهم يرتدون بذلات فاخرة وربطات عنق ممضية، لم يكن قد يحلم بعضهم في ارتدائها إلى أن يلج الجمل في سمّ الخياط، أو يرث الله الأرض ومن عليها. حقيقة، لله ذر نائب ولاية البيض الدكتور عثماني رحماني، الذي أشهر استقالته بعد مدة وجيزة من انتخابه، وتخلى طواعية عن صفته النيابية وامتيازاته من أجرة وحصانة، مُفضلا العودة إلى أبحاثه ودراساته، بعد أن اقتنع بأن تكوينه وتربيته لا تسمحان له بأن يكتفي بدور التصفيق.