حركة حماس:على الوسطاء حماية اتفاق غزة وإجبار نتنياهو على بدء المرحلة الثانية    هزة أرضية ب3.1 درجات بولاية باتنة    ترقب سقوط أمطار على عدة ولايات غرب البلاد يوم الثلاثاء    تبسة.. فتح خمسة مساجد جديدة بمناسبة حلول شهر رمضان    الهلال الأحمر الجزائري يطلق برنامجه التضامني الخاص بشهر رمضان    وزارة الثقافة تكشف عن برنامجها خلال شهر رمضان    فتاوى : المرض المرجو برؤه لا يسقط وجوب القضاء    المغرب : تصاعد الهجوم المخزني على الحقوق و الحريات.. 5 محاكمات في يوم واحد    وفد من كلية الدفاع الوطني بأبوجا في زيارة الى مقر مجلس الأمة    زروقي: الجزائر تبقى الموقع المثالي لتنصيب الاستثمارات الخاصةبمراكز البيانات الضخمة    عرقاب يستقبل وفداً من شركة إيني الإيطالية    بلمهدي : المساجد تلعب دورًا كبيرًا في نشر الخطاب البناء والأخلاقي    العرباوي يتحادث مع نظيره الموريتاني    كرة القدم داخل القاعة (دورة الصحافة): إعطاء إشارة انطلاق الطبعة الرابعة سهرة اليوم بالقاعة البيضوية بالعاصمة    "التصوف, جوهر الدين ومقام الإحسان" موضوع الطبعة ال17 للدروس المحمدية بالزاوية البلقايدية    الاحتلال المغربي يواصل حملته القمعية الممنهجة بحق الحقوقيين الصحراويين    جيجل: ضمان الخدمة على مدار 24 ساعة بميناء جن جن    العاب القوى: العداءة الجزائرية لبنى بن حاجة تحسن رقمها القياسي الوطني بفرجينيا الأمريكية    تجارة إلكترونية: ضرورة اتخاذ تدابيرلضمان سرية وسلامة أمن المعالجات في عمليات التسويق    الحكومة الفلسطينية تحذر من مجاعة في غزة بعد إغلاق الاحتلال الصهيوني لكافة المعابر    مليونًا و24 ألف مكتتب من المواطنين في برنامج عدل 3    بمشاركة أكثر من 50 عارضا    خنشلة تزامنا و شهر رمضان المبارك    رأي في الإصلاح التربوي.!؟    حسب بيان صادر عن الصندوق الوطني للتقاعد    كانت تعمل بيومية الجمهورية بوهران    يخص الطورين من التعليم المتوسط والثانوي    روتايو.. الحقد على الجزائر عنوان حساباته السياسية    وزارة الشؤون الدينية تطلق خدمة الفتوى    تبادل الخبرات في مجال السياسات الاقتصادية    البليدة.. الانطلاق في تجسيد برنامج رمضاني متنوع    تدابير إضافية لمضاعفة الصادرات خارج المحروقات    أوغندا : تسجل ثاني وفاة بفيروس "إيبولا"    إثراء المحتوى الاقتصادي للشراكة الاستراتيجية الشاملة    المجمّع الجزائري للنقل البحري يرفع رأسماله    شهر الفرح والتكافل والعبادة    السياسة العقابية الوطنية مبنية على التعليم والتشغيل    تراجع مقلق لمستوى حاج موسى قبل قمّتي بوتسوانا والموزمبيق    غربال وقاموح في تربص تحكيمي في كوت ديفوار    قندوسي جاهز لتعويض زروقي في المنتخب الوطني    "بشطارزي" يفتح أبوابه لعروض متميزة    عبد الباسط بن خليفة سعيد بمشاركته في "معاوية"    عسلي وحدوش في "الرباعة"    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    صلاة التراويح    شوربة "المقطّفة" و"القطايف" لاستقبال الضيف الكريم    الإعلان عن فتح باب الترشح لجائزة رئيس الجمهورية للغة العربية    فيلم فانون يفوز بجائزة أسبوع النقد    ذهب الظمأ وابتلت العروق    كيف تحارب المعصية بالصيام؟    مولودية الجزائر تعزّز صدارتها    بحث سبل تعزيز ولوج الأسواق الإفريقية    شهر رمضان.. وهذه فضائله ومزاياه (*)    صناعة صيدلانية: بحث سبل تعزيز ولوج المنتجين الجزائريين للأسواق الافريقية    الجمعية العامة الانتخابية للاتحادية الجزائرية لكرة اليد: فترة ايداع ملفات الترشح من 1 الى 3 مارس    العنف يتغوّل بملاعب الجزائر    التوقيع على ملحق اتفاقية حول إدراج الأعمال التدخّلية    الجزائر تحتل مكانة استراتيجية في صناعة الأدوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطاهر جاووت كما عرفته
مرايا
نشر في الخبر يوم 16 - 05 - 2013

تعرّفت على الطاهر جاووت في عز صيف تسعين. لاتزال تلك اللحظة السعيدة راسخة في ذاكرتي لا تنمحي. والغريب أني تعرّفت عليه في مستشفى بينام، وهناك كذلك حضرت لحظة رحيله التعيسة بعد أن تعرّض للاغتيال. إنه لشعور غريب أن تتعرّف على شخص، ويصلك نبأ رحيله في نفس المكان.
شاهدته وهو واقف إلى جانب سيدة عجوز بقسم الطب الداخلي بمستشفى بينام، حيث كان يسكن. السيدة هي أمه. كانت ترتدي لباسا قبائليا. كنت قريبا منهما، وبدا لي أننا بانتظار نفس الطبيب. تجرّأت، بعد طول تردّد، على التقرّب منه، فجرى التعارف بسهولة، ودار حديث قصير بيننا، وطلب مني زيارته بمكتبه بجريدة ''الجزائر الأحداث''.
كان جاووت، حينها، روائيا ذائع الصيت، شكل رفقة رشيد ميموني طليعة جيل ما بعد رشيد بوجدرة. لكن الاختلاف بينهما، من حيث الحساسية الأدبية، كان واضحا. وقد اعترف لي جاووت بذلك لاحقا، حيث قال لي ذات مرة خلال أحد لقاءاتنا: ''ميموني يفضل الكتابة السياسية التي تكاد تكون مباشرة، بينما أفضل شخصيا الاشتغال على اللغة والرمزية. أنا شاعر قبل كل شيء، وأظل دائما منجذبا لعوالمي الشعرية التي أحاول أن أجد لها مكانا في رواياتي. أرفض خيانة الشعر''.
أذكر أنني عدت إلى البيت سعيدا. بحثت في مكتبتي عن رواية ''ابتداع القفار''، فعدت إلى عوالم دولة الموحدين، وشخصية المهدي بن تومرت. عدت إلى الصحراء من مدن البرد، وإلى طريقة إعادة لمّ أشلاء الذاكرة المضطربة بواسطة الكتابة. وهذا بالضبط ما كان يعجبني عند جاووت: الكتابة كخلاص من التيه، وكوسيلة للانتقام من جبروت الزمن. لقد ارتسم هذا الموضوع لديه منذ روايته الأولى ''المستصفى''.
بعد بضعة أيام، قرّرت الذهاب إلى أسبوعية ''الجزائر الأحداث'' لزيارة صديقي الطاهر جاووت. استقبلني بسرور، وبتواضع كبير. نزلنا إلى الطابق الأسفل حيث كانت توجد ''كافيتيريا''، وجلسنا هناك. أذكر أنني حملت معي في محفظتي مقالا (كنت حينها أكتب بالفرنسية) حول نقد الأدب الإسلامي. وكان يروّج آنذاك في أوساط المثقفين المعرّبين ظاهرة ''أسلمة الأدب''، على شاكلة ''أسلمة البلديات'' التي كان ينادي بها أنصار التيار الإسلامي. قدمت المقال للطاهر، وقرأه في الحين. وبعد أن فرغ من القراءة، شرع في الحديث عن خطورة التطرّف، والسير نحو آفاق معتمة، ينعدم فيها ضوء العقل والحداثة.
أصبحت ألتقي بجاووت مرات عديدة في الأسبوع. كنت أنتظره في الصباح الباكر قرب مقر سكناه في بينام، ويقلني معه بسيارته ''بيجو ''309 البيضاء، ويتركني في وسط البلد عند النفق الجامعي. مرة، دار حديث بيننا عن الروائي الطاهر وطار. أذكر جيدا أنه نصحني بقراءة رواية ''الحوّات والقصر''، فهي أحسن أعمال وطار حسب اعتقاده. ثم حدثني عن الخلافات التي بدأت تبرز بينه وبين وطار. وحسب جاووت، فإن صاحب رواية ''الزلزال'' يكون قد أدرج اسمه (جاووت) ضمن قائمة أعضاء تحرير مجلة ''التبيين'' التي بدأت جمعية ''الجاحظية'' في إصدارها آنذاك، وقال: ''بعثت له كلمة هادئة، أخبرته بواسطتها أنه ليس بإمكانه إدراج اسمي في هيئة تحرير دون استشارتي. لكن اتضح، في ما بعد، أن وطار لم يستسغ موقفي''.
والحقيقة أن جاووت لم يتصرّف حيال هذه المسألة نظرا لموقف من المعرّبين ومن اللغة العربية، بدليل أنه كان عضوا في هيئة تحرير مجلة ''الرواية'' التي شرع صديقه جيلالي خلاص في إصدارها سنة .1989 وقد نشر فيها جاووت قراءة في إحدى روايات رابح بلعمري، وكتب النص القصير مباشرة باللغة العربية. وبإمكان جيلالي خلاص أن يشهد بأن جاووت كان قد شرع في تعلم الكتابة بالعربية، كما أن قربه من الوسط المعرّب لا يمكن نكرانه. وكان مقرّبا من جيلالي خلاص، ومن أحميدة العياشي، وآخرين. ورغم هذا، أعلن وطار الحرب على جاووت بعد اغتياله، فوضعه في خانة المعادين للعربية. وأشهد أن جاووت عرف كيف ينأى بنفسه عن مثل هذه الأفكار، واقترب بواسطة حسه الإنساني من مختلف الحساسيات الثقافية الجزائرية.
لم يكن جاووت يعرف التملق أبدا. مرة، اتصل بي بالجريدة عبر الهاتف، فقط كي يشكرني على مقال كتبته بعنوان ''الاحتراق الداخلي''، تناولت فيه مسألة التطاحن الثقافي الذي أصبح عبارة عن صورة مطابقة للتطاحن السياسي.
كان يسعد كطفل وديع لما يهتم أحد بأعماله. أجريت معه، مرة، حوارا مطولا (رفقة صديقي الصحفي شوقي آمين المقيم حاليا في باريس)، فخص له رئيس تحرير ''الخبر''، الراحل عمر أورتيلان، مكانة في الصفحة الأولى وبالصورة، فعبّر لي عن سعادته البالغة. لقد عرفته هكذا، إنسانا، أصيلا، وكريما.
هكذا، تعاودني صورة جاووت يوميا تقريبا. فزيادة عن كوننا أبناء الحي الواحد، وأبناء نفس المنطقة تقريبا في القبائل، فهو من قرية ''أولخو''، وأنا من ''آيت منديل'' على بعد مرمى حجر، يبقى ارتباطي بذكراه يشكل لحظة توافق فكري من حيث المبادئ، ومن حيث التزام المثقف بقضايا التاريخ والذاكرة التي أخذتها منه. لقد أخذت منه الهوس بالتاريخ والذاكرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.