مرت مسرحية “الصوت” للمسرح الجهوي بباتنة، بطولة وإخراج على جبارة ونص خالد بوعلي، اللذين قدما “مسرح الصورة” بمشاركة تسعة ممثلين من أبناء الأوراس، على خشبة المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، لتنقل آهات مئات الآلاف من الجزائريين الذين عذبهم الاستعمار الفرنسي بالخوف مرة وعذبتهم العشرية السوداء مليون مرة. بلهجة جزائرية خالصة تعكس أطرا جديدة للتعذيب الذي مارسه المستعمر الفرنسي ضد الهوية الجزائرية، كانت الكلمات التي قذفها جنرالات فرنسا في وجه زوجات الفلاحين البسطاء، كفيلة بتمزيق أعصاب احمد الذي عاش بألم الفراق، جسدا يئن بذاكرة تفتش خلف المشاهد السينوغرافية، عن الذي مضى حسرة بلا عقاب، غير أن البكائية العالية في المشاهد لم تكن إلا جزءا من تحليل علمي لشخصية “المنهار عصبيا”، عزز تفاصليها كاتب النص خالد بوعلي، بخلفيته المعرفية لدراسته لعلم النفس التحليلي، خلال سنوات السبعينيات، كما صرح ل«الخبر” عقب العرض: “هي قصة حقيقية واقعية أسوّّقها على نهج الروايات العالمية التي تقدم تحليلات سيغموند فرويد وغيره من دراسات النفس البشرية”. وقد كانت القضية المطروحة في المسرحية بحكم تناولها لشخصية تعرضت للعديد من الصدمات منذ الطفولة، ذات أبعاد قادرة على التوغل في الشخصية الجزائرية خلال العشرية السوداء، في إسقاط من زمن الثورة الجزائرية إلى المراحل التعيسة تحت وطأة الإرهاب الإداري والإرهاب النفسي والجسدي فيما بعد. كما يقول كاتب النص الذي في رصيده عشرون مسرحية أهمها مسرحية “يوغرطة”: “الاستعمار خرّب الشخصية الجزائرية والإرهاب أسكنها في الخوف”. وبقدر جمالية السينوغرافية العالية في المشاهد، كانت بعض الأخطاء في الإضاءة مسجلة بوضوح، وقد وقعت قبل أن يؤدي إليها تكرار المشاهد بصورة غير مبررة، بما يعطي روح الملل أحيانا، وهو ما اعتبره المخرج ضرورة مسرحية “برودة إيقاع العرض هو ما جعل من تكرار المشاهد يبدو غير مقصود”. فيما أرجع، كالعادة، العديد من المطبات التي وقع فيها العمل، إلى الظروف الزمنية والمالية “لا يمكن أن تطلب من شباب مبتدئ أن يجسد هذا النص خلال شهر”. كما كان العمل مرفقا برسالة سياسية تحمل ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها ضد حيزية وأمد المرعاش وغيرهم من الذين مروا على التاريخ في صمت، قبل أن يتكلم باسمهم مسرح باتنة الذي كانت له جولات دولية سابقة، للتعريف بالإبداع الجزائري، وفي رصيده جائزة أحسن عرض في قرطاج، وسبع جوائز في الأردن. ويعكس هذا العرض جزءا من ال17 عملا مسرحيا وطنيا يتنافس على جائزة المهرجان في دورته الثامنة، الذي يتواصل اليوم عبر تقديم “أوديب” تعاونية برج منايل و”حب في زمن الحرب” للمسرح الجهوي لمدينة الجسور المعلقة.