فجأة خف الحراك السياسي الذي تولّد عن مرض رئيس الجمهورية، بالرغم من أنه لم تستجد أي مستجدات بشأنه باستثناء استمرار غيابه. يحدث هذا، رغم أن الأصوات تصاعدت غداة نقله للعلاج في الخارج، فمنها من اقترحت رئاسيات مسبقة، ومنها من طالبت بتفعيل المادة 88 من الدستور، ومنها من ذهبت إلى اقتراح مرحلة انتقالية. فهل تلقى الجميع كلمة السر؟ يؤشر قرار الأفالان بإلغاء انتخابات هياكل البرلمان وتعويضها ب ”التعيين”، بسبب أن ”الظرف العام في البلاد” لا يساعد على إجراء الانتخابات، أن الحزب العتيد تلقى ب ”إيعاز ” من أصحاب القرار، بأن البلد في غنى عن حدوث مشاكل في الهيئة التشريعية، بعد المشاكل التي تعرفها مؤسسة الرئاسية جراء مرض الرئيس. وتكون مثل هذه الرسائل التي وصلت إلى الأفالان، وهو الحزب الحاكم وصاحب الأغلبية، كانت بمثابة إيذان للآخرين من أحزاب وشخصيات الذين تراجعت تحركاتهم وقلّت تصريحاتهم، بعدما رفعت من سقف مطالبها السياسية غداة الإعلان عن مرض الرئيس ونقله للعلاج في فال دوغراس. فهل يعقل أن ترفع الأحزاب مطلب تفعيل المادة 88 من الدستور في الأسبوع الثاني لمرض الرئيس، ويطالب آخرون بمرحلة انتقالية، بينما يتراجع صوتها وقد دخل غياب الرئيس عن مزاولة مهامه يومه ال 40؟ لقد توقفت الحكومة منذ أكثر من أسبوع، عن بث بيانات بشأن مرض الرئيس، ووجدت في زيارة الوزير الأول التركي الذي زار الجزائر وغادرها دون أن يستقبل كالعادة من قبل رئيس الجمهورية الغائب عن قصر المرادية، محطة لكسر تقليد برتوكولي على أنه ليس عائقا أمام استمرار السير العادي لمؤسسات الدولة، وهو الخطاب الذي تعاقب على ترديده بن صالح وبلعياط، بأن مؤسسات الدولة تسير بصفة عادية رغم مرض الرئيس. وتكون هذه التصريحات وراء تولّد قناعة لدى الأحزاب، وخصوصا المعارضة منها، بأن تغييرا حصل في أعلى هرم الدولة على تسيير ما بقي من عهدة الرئيس بوتفليقة لنهايتها، دون فتح باب الانتخابات المسبقة أو تفعيل المادة 88 من الدستور، التي على ما يبدو لم تجد توافقا سياسيا حولها. ويؤشر تراجع الأحزاب كلية عن ترديد هذه المطالب، بعدما رفعتها بقوة غداة الوعكة الصحية للرئيس، أن أصحاب القرار فضلوا ”الانتظار” على تفعيل الإجراءات الدستورية، خصوصا بعدما لمحت أحزاب في الحكومة، بأن عهد الانقلابات قد ولى، في إشارة إلى المادة 88، وكذا عدم مبادرة رئيس الجمهورية المريض بنفسه بأي مبادرة لتسليم عهدته، سواء بالانسحاب طواعية أو برمجة انتخابات مسبقة. ويكون غياب خليفة بديل لبوتفليقة جاهزا في الوقت الحالي، وكذا رغبة الرئيس في فرض بصماته على من يخلفه في قصر المرادية، قد جعل المؤسسة العسكرية والأمنية تختار طريق تسيير المرحلة على فتح أبواب أخرى غير محمودة العواقب وغير مضمونة النتائج، خصوصا وأن الرئيس الذي مكث في الحكم 14 سنة، وإن أضعفه المرض وأوقف حلم العهدة الرابعة، لا زال يمسك بأوراق مهمة ولم تضعف ركائز حكمه مثلما يتصور البعض، بعد فضائح الفساد التي تورط فيها محسوبون عليه.