ذكر البروفيسور هارتموت آلسينهانس أن "حرب الجزائر" جرت على وقع تفاعلات دولية تحكّم فيها النظام الرأسمالي، في لحظة تحولاته إلى مرحلة ما بعد الاستعمار، وقال إنه لا يمكن فهم تطور المرحلة ما بين 1954 و1962، دون محاولة فهم طبيعة النظام الرأسمالي خلال تلك المرحلة. قال هارتموت آلسينهانس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ليبزغ الألمانية، إن الانقسامات التي وقعت داخل المنظومة الليبرالية الغربية، ساهمت إلى حد كبير في جعل الثورة الجزائرية تأخذ مسارات مغايرة بالنسبة للطرف الفرنسي الذي كان يرغب في إيجاد مخرج للجزائر، يقوم على التوصل إلى حل مع جبهة التحرير الوطني، شبيه بالحل التونسي والمغربي الذي يقوم على “التعاون الاقتصادي” والاحتفاظ بالجزائر ضمن المنظومة الفرنسية بخصوص العلاقات الاقتصادية والتجارية، رغم حيازتها على الاستقلال. وقال آلسينهانس، أول أمس، خلال نزوله ضيفا على جريدة “الخبر”، إن الثورة الجزائرية بدأت وهي واعية بالخيارات القائمة على العدالة الاجتماعية والاشتراكية، نظرا لاقترابها من الأطروحات المعادية للنظام الرأسمالي العالمي المدعمة للاستعمار، التي كان مركزها الهند والصين. وحسب آلسينهانس، فإن قادة جبهة التحرير الوطني، استغلوا الضغوط التي كانت تمارسها الولاياتالمتحدةالأمريكية على فرنسا، موضحا بأن جماعة السيناتور كينيدي، كانت تعتقد أن فكرة إنهاء الاستعمار لا يمكن تفاديها، معتبرا أن الولاياتالمتحدة كانت شديدة الانزعاج من بطء فرنسا في السير نحو سياسة نيو- كولونيالية. وعن سؤال حول أطروحة المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا الذي أورد في كتابه حول “ديغول والجزائر”، بأن الرئيس الفرنسي دعّم استقلال الجزائر من زاوية متعلقة برفضه أن يرى الديانة الإسلامية تصبح جزءا من الأمة الفرنسية، في حال قبول اندماج الجزائريين المسلمين في الأمة الفرنسية، قال آلسينهانس إن الجنرال ديغول كان يؤمن بالتصور الألماني للأمة الذي يقوم على النقاء، ولم يكن يسمح بوجود تأثيرات دينية غير التأثيرات الكاثوليكية. واستطرد قائلا: “لم يكن أمام الجنرال ديغول أي خيار آخر، غير الاعتراف باستقلال الجزائر”، معتبرا أنه كان يفكر في مستقبل فرنسا، ليس استنادا للعقلية الاستعمارية التقليدية التي تريد الاحتفاظ بالمستعمرات، بل من حيث “إدخال فرنسا في سباق التسلح النووي”. وذكر “ضيف الخبر” أن مسار حرب التحرير لم يمنع من بروز أطروحات داخل جبهة التحرير، تؤمن بالخيار الليبرالي، مع الاحتفاظ بالجوانب المتعلقة بالعدالة الإنسانية. وأضاف أن فرحات عباس كان يمثّل هذا التوجه، وهو ما أدى به إلى الاصطدام مع الرئيس أحمد بن بلة سنة 1963. ويعتقد آلسينهانس أن الخيار اليساري الجزائري، لم يكن خيارا يستند إلى الديكتاتورية والحكم المطلق على الطريقة الستالينية، رغم القرب من الخيار الاشتراكي خلال مرحلة حرب التحرير، بقدر ما كان يستند إلى الجانب المتعلق بالعدالة الاجتماعية ووضع حد للحقبة الاستعمارية. وأوضح آلسينهانس الذي زار الجزائر هذا الأسبوع، لوضع اللمسات الأخيرة على كتابه الجديد الذي يصدر عن منشورات القصبة، خلال الصالون الدولي للكتاب، والذي تناول فيه تاريخ حرب التحرير، بأن التيار الشعبوي هو الذي انتصر في نهاية الأمر، وتمكن من أن يفرض أيديولوجيته داخل جبهة التحرير الوطني، وجعل الجزائر تسير على خطى نهج يساري، مذكرا أنه اقترح على المسؤولين الجزائريين في مطلع الثمانينيات، لما عمل مستشارا اقتصاديا، التخلي عن فكرة “التسيير الدولاتي” الصارم واعتماد سياسة السوق بالنسبة لبعض القطاعات الصغيرة.