بات الآن من الصعب مواصلة الجدل حول صحة رئيس الجمهورية، والصورة التي ظهر بها بوتفليقة في التلفزيون بمناسبة عودته من رحلة العلاج ب “فال دوغراس” و«ليزانفاليد” بباريس، لا تترك مجالا لإطلاق إشاعات حول وفاته أو دخوله في غيبوبة... كما قطعت على من لا وجود لهم في الساحة السياسية سوى للمزايدة بالدفاع عن الرئيس والرد على أخبار مرضه، برفع شعار العهدة الرابعة... الأمل الذي انتظروه طويلا لإسكات خصومهم السياسيين، ويتمثل هذا الأمل في دخول الرئيس ماشيا على أقدامه يحيي العلم الوطني في مطار هواري بومدين وينشد أمامه السلام الوطني... ثم يتنقل إلى مكتبه في المرادية أو إقامته في زرالدة، وسط حشد جماهيري كبير على طول الطريق... وطبعا، سيكون للمزايدين بمساندة الرئيس الدور الأساسي في تنظيم هذا الاستقبال، وسيكون صوتهم أعلى من أي صوت آخر في الصحافة والتلفزيونات وفي الهواء الطلق. الساحة السياسية مرشحة بعد عودة الرئيس للدخول في مرحلة الجدية، أي مرحلة التفكير الفعلي في مستقبل مؤسسات الدولة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الآجال الدستورية لتنظيم الانتخابات الرئاسية التي تبدأ من شهر فيفري القادم، وتنتهي في أفريل، نجزم أن بوتفليقة بقيت له سبعة أشهر إلى تسعة على أكثر تقدير في الحكم. وفي هذه الفترة، لم يعد بوتفليقة ملزم دستوريا كذلك بالظهور والنشاط سوى مرتين اثنتين هما: عند مناقشة قانون المالية لسنة 2014 والمصادقة عليه في مجلس للوزراء، ثم عند التوقيع عليه بعد مصادقة البرلمان على القانون. أما باقي مشاريع القوانين والتعديل الدستوري... فكلها غير إلزامية، إلا إذا شعر بوتفليقة بواجب الالتزام بإكمال الإصلاحات التي وعد بها الجزائريين. وكذلك الشأن بالنسبة لقانون المالية التكميلي، الذي يملك الرئيس حرية اختيار إبقائه أو إلغائه من الناحية الإجرائية البحتة. ويبقى استدعاء الهيئة الناخبة والترتيبات الخاصة بالانتخابات الرئاسية... وهنا الرئيس ليس بحاجة للظهور ولا حتى مغادرة بيته، إذ رأينا مراسيم صدرت بموافقته أو توقيعه وهو غائب عن أرض الوطن، فلا شيء يمنعه من استدعاء الهيئة الانتخابية من بيته، ثم الحكومة تتكفل بالجانب التقني للعملية الانتخابية. بوتفليقة إذن، أنهى كل مهامه على رأس الدولة الجزائرية وبيان رئاسة الجمهورية الذي أعلن عن عودة الرئيس، جاء في صيغة تفيد أنه أنهى العلاج وفترة النقاهة في الخارج وسيواصل الركون للراحة والنقاهة في الداخل. وبعد اختتام شهر رمضان، نكون على أبواب الشهر التاسع من السنة الجارية، أي لن تبقى سوى أربعة أشهر من 2013. فهل تستدعي هذه الفترة القصيرة الذهاب إلى انتخابات رئاسية مسبقة، أم الأمر يحتمل انتظار دخول الآجال الدستورية للرئاسيات العادية. وأول يوم تبدأ فيه هذه الآجال، هو التاسع فيفري من السنة القادمة. بالنظر إلى الطريقة التي تسير بها شؤون البلاد، منذ فترة طويلة، نستطيع القول إن الجزائر قادرة على تحمّل الأشهر التي تفصلنا عن موعد الرئاسيات. أما إذا نظرنا إلى المسألة من باب قيمة الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات في حياة الشعوب... فبقدر ما تقترب الانتخابات الرئاسية، تستفيد البلاد أكثر.