كشف مشهد التغيير الحكومي الأخير عن بعض الحقائق المتصلة بنقل وتعيين وزراء بينهم وزير الداخلية، الطيب بلعيز، وتضمن العدد الأخير من الجريدة الرسمية مرسوم إنهاء مهام بلعيز على رأس المجلس الدستوري، وتضمن المرسوم أن إنهاء المهام تم بطلب منه لإحالته على التقاعد. اللافت أن رغبة بلعيز في الإحالة على التقاعد لم تكن شخصية، بقدر ما كانت رغبة سياسية تستهدف إيجاد مخرج قانوني للالتفاف على الدستور لتحوله من رئاسة المجلس إلى وزارة الداخلية، إذ تنص المادة السادسة من الدستور على أن رئيس المجلس يعين لعهدة واحدة لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، وفي القواعد الدستورية يعني ذلك ضمانة لصالح رئيس المجلس الذي سيتعين عليه بموجب النص الدستوري أن يتم العهدة الدستورية، ليؤدي مهامه باستقلالية دون أن يخشى إقالته من منصبه من طرف رئيس الجمهورية الذي عينه، في حال حصل خلاف حول مسائل قانونية، كما أنه ضمانة لمنع رئيس المجلس الدستوري من مداهنة رئيس الجمهورية، طمعا في التجديد له في هذا المنصب. عمليا يكون الرئيس بوتفليقة قد أوعز إلى بلعيز تقديم طلب الإعفاء من منصبه كرئيس للمجلس الدستوري، لتعيينه كوزير للداخلية، وهذا يعني أن الرئيس بوتفليقة نفسه كان بصدد البحث عن مخرج يجنبه خرقا دستوريا بشأن إنهاء مهام بلعيز في المجلس الدستوري، بعد سنة واحدة قضاها في هذا المنصب (قادما من وزارة العدل)، من بين السنوات الست المحددة في العهدة وفق النص الدستوري. زيادة على أن المادة 4 من المرسوم الرئاسي المنظم لعمل المجلس الدستوري، لا تفيد بوجود حالة تقاعد وتحصر استخلاف رئيس المجلس في حالات الوفاة أو الاستقالة أو حدوث مانع دائم. وليست المشكلة تقنية على هذا النحو، لكن المشكلة تتركز في الزاوية الأخلاقية، إذ أن قرار مرسوم إنهاء مهام بلعيز الصادر في الجريدة الرسمية ينص صراحة على أنه هو الذي طلب إحالته على التقاعد، بما يفيد أنه كان بصدد التوجه إلى الراحة من فترة الخدمة الإدارية والوزارية وفي مؤسسات الدولة، غير أن تعيينه كوزير للداخلية في قطاع وزاري بالغ الحساسية، ومجهد بالنظر إلى المسؤوليات الأمنية والسياسية لهذا المنصب، يتطلب شخصية تتمتع بكامل القوة والجهد المادي والمعنوي الذي يتيح لها متابعة كافة الشؤون والمهام المخولة لوزارة الداخلية، يؤشر على أن طلب الإحالة على التقاعد، لم يكن مبررا منطقيا بالنسبة لإنهاء مهام بلعيز في المجلس الدستوري، ما يوضح أن الأمر كان متصلا بإيجاد مخرج دستوري يكفل نقل بلعيز ذي الخلفية القانونية والقضائية، إلى أحد أهم مفاصل الدولة، وأبرز قطاع له صلة بالانتخابات، هو وزارة الداخلية، والواضح أن المشهد مرتبط برمته بحسابات تعديل الدستور والانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالخيارات الممكنة التي يفكر الرئيس بوتفليقة في انتهاجها قبل أفريل 2014، الترشح لعهدة رابعة أو ترشيح شخصية مقربة منه، أو البحث عن مخرج دستوري لتمديد العهدة الحالية.