اغتصاب ثالث أخصب سهل في العالم تعود "الخبر" إلى حقيقة مرة للحديث من جديد عن واقع سهل المتيجة أحد أخصب السهول على الأرض وما أصبح عليه اليوم، وما يعانيه من مسلسل متواصل لمجازر مؤسفة، بعد احتفالية الجزائر وشعبها بمرور نصف قرن على استرجاع الاستقلال، وبكاء فلاحين وسكان تغذوا من أرضه عقودا من الزمن، هم اليوم أشبه في حزنهم بالأيتام في فقدانهم لوالديهم. فرنسا الاستعمارية تجنّبت المساس بالأراضي الخصبة وجزائر الاستقلال “تستبيحها” اعترف وزير السكن والعمران، خلال الزيارة التي قادته إلى البليدة العام الماضي، رفقة زميله وزير البيئة آنذاك عمارة بن يونس، لإعطاء مباشرة أشغال “تخريب” الأراضي الفلاحية بدائرة بوينان شرقي البليدة، بأن الأمور تتجاوزه وليس بمقدوره فعل أي شيء، وصرّح وقتها في جواب غير متوقع ل«الخبر” عن الفائدة من استحداث 3 مدن جديدة، وهي مدينة سيدي عبد اللّه بالجزائر العاصمة وبوينان في البليدة وبوغزول بالمدية، على محور طولي لا تزيد في مسافته عن ال250 كيلومتر، بقوله وهو يلملم أفكاره: “المثل الشعبي يقول “ما نغضّب الراعي وما نجوّع الذيب”. كان جواب الوزير صادما وغير محسوب، ليؤكد، في بيان قطعي، استكمال ارتكاب إحدى المجازر العالمية ضد المساحات الطبيعية، مثل تلك التي وقعت ولا تزال تقع بغابات الأمازون “رئة العالم”، في حين وفي الجهة المقابلة باشرت الجرافات والآليات استحداث “جراح دامية” برحم السهل، وأعلن المسؤولون عن الشروع في إنجاز مساكن ستوجه 70 بالمائة منها إلى سكان الجزائر العاصمة، والنسبة المتبقية، أي ال30%، سيستفيد منها المحظوظون من ولاية البليدة. حقيقة المشروع والنوايا الخفية سؤال تداوله غالبية المهتمين والضحايا من سكان منطقة المتيجة عموما تمحور حول النية والخلفية الحقيقية المرجوة من وراء مشروع المدينة الجديدة ببوينان، ولماذا هذا التوقيت بالذات في الإعلان عنه. واتضح في تحليل سطحي وبسيط أن بعث مشروع كان لفرنسا الاستعمارية أسبقية الإرادة في إنجازه (المخططات الاستعمارية أكدت أن فرنسا حددت مساحة المشروع وأن يشمل الأراضي الجبلية والمرتفعات دون المساس بالأراضي الخصبة والبساتين المنتجة)، في الوقت الراهن، القصد منه التعجيل في تجسيد المشروع لاستفادة أطراف معلومة من التواجد على مقربة من الجزائر العاصمة، أي منح امتيازات لفئة تحت غطاء الفائدة والنفع العام. ومبررهم في تحليلهم تلخّص في السؤال التالي: لماذا الشروع في إعطاء إشارة الانطلاق لإنجاز الحصص السكنية بدل المنشآت القاعدية، على اعتبار أن المشروع هو بناء وتجسيد مدينة جديدة في هياكلها ومنشآتها الإدارية والرياضية والتربوية والصحية والاجتماعية والخدماتية؟! الفلاحون وأصحاب المشاتل في صدمة كشف تصريح أليم لأحد السكان بضواحي مشروع المدينة الجديدة أن المسؤولين اعترفوا لهم بأن مركز عمروسة العتيق، الآهل بما يزيد عن ال9000 نسمة، لن تمسّه جرافات الهدم، وطمأنوهم في لقاءات عقب “ثورة ال3 أيام” وخروج السكان إلى الشارع لمنع الآليات من اقتحام الأراضي القريبة منهم، العام الماضي، ووقوع اشتباكات بينهم وبين قوات قمع الشغب، بأن المشروع لن يمتد إلى الحي التاريخي، لكنهم وبالرغم من تلك التطمينات مازال الخوف يعصرهم، وتأكدت مخاوفهم مع أصحاب المشاتل والبساتين، حيث بدأ المدّ في “اغتصاب” المساحات والأراضي القريبة منهم. وقال ممثل عنهم، ل«الخبر”: كيف يجرؤ المسؤولون ويقرّروا تحويل أرض معروف عنها أنها تتصدّر بقية المناطق في إنتاج “فسيلات” الزيتون بالخصوص وتموينها لهذا المنتوج في السوق الوطنية، وبجوارها مشاتل أخرى مختصة في إنتاج أشجار الحمضيات. أليس هناك من يوقف مثل هذه “الإبادة”؟ يتساءل الفلاحون.
شبح الإسمنت وتسرّب سموم المفرغة تحدّث سكان بحدود المدينة الجديدة عن الخطر الذي أصبح يهدّد المياه الجوفية والروائح السامة التي تنبعث من المفرغة التقنية الجديدة بالجوار، ونبّهوا إلى أن تحذيراتهم من تعرّض المياه الجوفية إلى تلوّث إيكولوجي أصبح حقيقة مرة، وأن السكان بالجوار باتوا مهدّدين بالإصابة بأمراض في البصر والجهاز التنفسي، نتيجة الروائح السامة والكريهة المنبعثة من تلك المفرغة. وزاد بعضهم بالتأكيد أن تطمينات المسؤولين والتقنيين أصبحت مثل “أكذوبة أفريل”، لأن الحقيقة الماثلة أمامهم تفنّد تلك المزاعم والتطمينات، وأن أحياء وأحواش بالجوار تعرّضت آبارها إلى أخطار التلوّث بتلك السموم. وعلّق أحدهم بالقول إنهم أصبحوا اليوم محاصرين بالتوسّع الأزرق للإسمنت من جهة، وبالتلوّث والتعرّض إلى أمراض ناجمة عن السموم البيئوية من جانب آخر.. “فأين المفر؟”. فرنسا تجنّبت اغتصاب الأراضي الفلاحية والصعب في كل ذلك أن أصحاب تلك الأملاك سابقا عجزوا عن اعتراض أي آلة وهي تشقّ في “جراح دامية” في تلك البساتين وفي جوف الأرض، ولم يملكوا سوى المشاهدة والتأوه ألما لمنظر تلك المجازر. وأسرّ بعض الضحايا أن فرنسا الاستعمارية، ورغم ما اقترفت من جرائم بشعة لا تغتفر في حق الإنسان الجزائري، إلا أنها تغاضت ورفضت أن “تخدش” مساحات كانت تراها “جنة”، وتراهن على كونها المموّن الأساسي لأوروبا ككل بالخضار والحمضيات والفواكه عامة، التي تنتج من رحم أرض عذراء لا تتوقف عن العطاء، فرعَتها وحمتها من أي اعتداء في خصوصيتها الطبيعية. وهي الحقيقة المؤكدة حسب المخططات الاستعمارية، والتي أكدت في شهادات تاريخية أن فرنسا حددت مساحة المشروع، وأن يشمل الأراضي الجبلية والمرتفعات دون المساس بالأراضي الخصبة والبساتين المنتجة. أجانب يتأسّفون لمجزرة جنة شمال إفريقيا يبدو أن النية الواضحة في تحقيق مشروع مدينة بوينان الجديدة، بأي شكل، أعمى مسؤولينا وأفقدهم مشاعر الرحمة والحفاظ على مساحات خصبة من الأرض بالسهل العظيم، بدليل إعطاء الضوء الأخضر، منذ أيام فقط، من أجل مسح مساحات مغروسة بأشجار مثمرة ومعمرة مثل البرتقال والخوخ منذ تاريخ قريب، ومشاتل غرس العشب الطبيعي (الحقيقة المرة أن البساط الأخضر الطبيعي من العشب، والذي أصبح يتميز به ملعب مصطفى تشاكر وأمتع اللاعبين وتباهى به الجمهور، تم إنتاجه وفلاحته بمزارع بالجوار هي اليوم مهددة بالتخريب والتحويل إلى مساحات إسمنتية). وهي الجرائم في العموم التي أثارت غضب السكان، وأبكت الكثير منهم على أشجار غرسوها وهي فسيلات، ورعوها عقودا حتى صيّروها بساتين وجنات على جنبتي الطريق الوطني رقم 29، ناهيك عن أسف وحسرة رعايا أجانب قدِموا من الصين وتركيا وزاروا العنوان، وتأسفوا للجريمة والمجزرة التي ستلحق بتلك الجنة والتربة الخصبة. حتى إن أحدهم، وهو من مرتبة المديرين، أخذ حفنة من التراب وقال “لو أن لدينا مثل هذه التربة لاستخرجنا منها كنوزا لا تنفد”. الدّراسات التقنية لم تراعِ النصوص القانونية أكّد منتخبون محليون بدائرة بوينان أنّ الدراسات المعدّة لتجسيد مشروع المدينة الجديدة على مستوى المنطقة لم تراع فيه المواد القانونية التي تنصّ على إنجاز المدن الجديدة خارج الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة. وبيان ذلك جاء في أن الدراسات التقنية لم تستوف الإجراءات القانونية، وهو ما يعتبر خرقا للنصوص القانونية، حسب الجريدة الرسمية، التي تقرّ بإنجاز المدن الجديدة وتهيئتها في الهضاب العليا أو الجنوب، استنادا للمادة الرابعة من القانون الحامل لرقم 02/08 المؤرخ في 8/05/2002، والتي تضمّنت أيضا في الفقرة الأخيرة “لا يمكن إنشاء مدن جديدة بصفة كلية أو جزئية فوق أراض صالحة للزراعة”، وهو دليل واضح يمنع تحويل الأراضي الخصبة إلى إسمنت، مع استصلاح المزيد من الأراضي البور حفاظا على الأمن الغذائي. وأعاب المنتخبون غياب دراسة اجتماعية مسبقة لمعرفة خصوصية المنطقة ومدى تطابق المشروع مع النمط الريفي، وتأكيدهم أن الدراسات أيام بُنيت على مغالطات أبرزها عدم توضيح الرؤية فيما يخص المساحة المخصصة لإنجاز المدينة الجديدة والمقدرة ب2175 هكتار، كلّها أراضٍ خصبة تابعة لسهل المتيجة يزاول أصحابها النشاط الفلاحي، وأن ما يناهز ال34 ألف نسمة من سكان المنطقة يسترزق غالبيتهم مما تجود به تلك الأراضي الخصبة. “مدينة جديدة” على أرض هشّة الشاهد أن حقيقة مدينة بوينان الجديدة تحمل في بطاقتها التقنية صورة المدينة الحديثة والمتطورة، والتي غالبا ما نجدها مجسدة في المدن الأكثر حداثة وجمالية بدول العالم، مثل تلك المشيّدة الآن في دبي وماليزيا وسنغافورة واليابان ودول أخرى. ويعتزم المسؤولون عن تنفيذ المشروع، وحسب الهدف منه، أن تكون المدينة في توجهها رياضية وترفيهية بدرجة أولى، تعتمد على نمط عصري في المنشآت وإلكتروني عصري متقدم في الوسائل والتكنولوجيا، وأن تكون أيضا ضمن المدن الأكثر أهمية بالنسبة لأصحاب المشروع في إعادة التوزيع السكاني والاقتصادي، خصوصا بالمناطق القريبة من الساحل. لكن المعروف جيولوجيا أن الشريط الساحلي هشّ وتتخلله من فترة لأخرى تصدّعات في طبقات الأرض، بدليل زلزال بومرداس في ماي 2003 والهزة الزلزالية الأخيرة التي ضربت منطقة حمام ملوان ومساحات من المدينة الجديدة بعمروسة وتباينت في الشبلي في شهر جويلية 2013، على عكس المناطق الداخلية والهضاب العليا المعروفة بأنها أكثر استقرارا في حركية طبقات الأرض. وأمر آخر تم تداوله تعلّق بالتوازن الإيكولوجي الذي سينجم عن تحويل كل تلك المساحة المقدرة ب2175 هكتار، وأثره على الحياة الطبيعية عموما، خاصة في مسألة التلوث وتعرّض المنطقة للجفاف مستقبلا، وهي الحقائق التي لطالما نبّهت إليها جمعيات بيئية، بعد تعرّض مساحات واسعة من الغابات بمنطقة الشريعة وحمام ملوان، على سبيل الذكر، إلى جرائم الحرائق، والتي تسببت في هجرة أنواع حيوانية وفي قتل أخرى مثل النمس الذهبي والطيور والعديد من الأنواع الحشرية والنباتية وحتى المائية مثل أسماك الشبوط من الوديان، وهو الواقع الذي ترك الكثير من المهتمين يتساءلون عن مدى إدراك أصحاب المشروع للحقيقة الجيولوجية والطبيعية المخيفة مستقبلا. من بوغزول إلى بوينان! تم مؤخرا اقتطاع 5000 مليار سنتيم من مشروع مدينة بوغزول الجديدة، وتحوّلت بقدرة مسؤولينا إلى حساب غلاف المدينة الجديدة في بوينان، وهو الاقتطاع الذي أثار جدلا في أوساط مهتمين بمثل هذه المشاريع، خاصة من ناحية أن مشروع بوغزول قديم، ثم إن الانطلاقة به ما تزال متعثرة، فيما راح آخرون يقرأون الاقتطاع على أنه دليل واضح بأن المسؤولين يولون اهتماما كبيرا لمشروع المدينة الجديدة في بوينان على حساب مدينة بوغزول، وهي القراءة التي اتفق بشأنها العديد من الملاحظين ولم يستبعدوا طرح الفكرة. ما صلة شكيب خليل بالمشروع؟ ظهرت فكرة جديدة وجدية بين أوساط وعلى ألسن الكثير من النقاد ورافضي فكرة المشروع بمنطقة بوينان، تلخصت في سؤال اعتبره المتتبعون للمشروع بأنه جوهري تمثل في: “من سيقيم بالمدينة الجديدة؟ ومن هم المعنيون بالسكن بتلك الأبراج؟”، والجواب كان ظاهريا مكشوفا في أن نزلاء المشروع الجديد سيكونون من الجزائر العاصمة بنسبة غالبة تصل إلى ال70%، وهم في شق ثان من طبقة المسؤولين والإطارات السامية في أجهزة ومؤسسات الدولة. وهو ما يعني أن المشروع بعيد المنال عن عامة الناس وطبقات الشعب الفقير في نظر المسؤولين. وحقيقة أخرى تعود إليها “الخبر” هي أن وزير الطاقة السابق والرئيس المدير العام الأسبق لشركة سوناطراك، شكيب خليل، زار في العام 2007 المشروع رفقة وفد رسمي، وعاين عنوان المشروع وطلب من المسؤولين اقتطاع مساحة إجمالية حددها ب200 هكتار، على أن تكون لصالح عمال وإطارات مجمّع سوناطراك، لكن يبدو أن الصفقة فشلت، خصوصا بعد الضجّة التي دارت حول شخص الوزير المصنّف ضمن “الوزراء الممتازين” بالجزائر وحتى على الصعيد الدولي. كابوس في نفق مظلم وظالم بين متفائل ومتشائم بمستقبل منطقة بوينان، التي ستأوي مشروع المدينة الجديدة، أجمع سكان ومسؤولون محليون ومجتمع مدني وجمعيات إيكولوجية على السخرية من فكرة المشروع، وأكدوا في كلام ناقد وساخر عن إنجاز بناءات وعمارات وطرقات ملتوية شيّدتها أذهانهم بأحلام اليقظة.. أحلام ورقيّة لم ولن تترسّخ بعقول من ألفوا العيش في الهدوء والهواء الصافي وخضرة الطبيعة العذراء وجمالها الطبيعي. فيما فشلت صيحات الرّفض والتوسل بالتوقف عن ارتكاب إحدى أعظم وأكبر المجازر في تاريخ الجزائر المستقلة. ووجهوا نداءاتهم ودعواتهم إلى قلوب وعقول وحكمة المسؤولين، لتحويل المبالغ التي رصدت لإقامة المدينة الجديدة في بوينان إلى مشروع المدينة الجديدة بمنطقة بوغزول، وليس العكس. الأمر حسب التقنيين والخبراء ليس بالصعب ومثالهم في ذلك سويسرا، حيث تمكّنت من تحويل عاصمتها جنيف إلى برن الآن.. يكفي فقط الإرادة والهدف النبيل، وبذلك تنقذ أراضي المتيجة وتتوقف آلة الاغتصاب وانتهاك حرمة أرض طاهرة ومعطاءة. وزير الطاقة السابق والرئيس المدير العام الأسبق لشركة سوناطراك، شكيب خليل، زار في العام 2007 المشروع رفقة وفد رسمي، وطلب من المسؤولين اقتطاع مساحة إجمالية حددها ب200 هكتار.