لم يتوان الأباطرة الرومان في عصرهم عن اعتبار الشعب (والشعب باللاتينية يعني ماهو دوني ومن الدرجة السفلى) صاحب احتياجات تنحصر كلها في شعار “الخبز واللهو” ومن هنا كانت نشأة الألعاب الرياضية الدامية في الملاعب وحلبات المصارعة، فيرمى المحكوم عليهم بالإعدام إلى أضراس الحيوانات المفترسة تقضمهم وتأكلهم. وقد كان الشعب الروماني شغوفا بتلك الألعاب متلهفا إليها، كما كان المحاربون يمرون أمام القيصر قبل الاتجاه إلى الأفصاع الأخرى، هاتفين “نحييك يا قيصر ونحن إلى الموت ذاهبون”. وتحولت هذه النزعة أثناء التاريخ المعاصر وعوضت الرياضات المختلفة هذه الهمجية الدموية، وخاصة كرة القدم. وقد ساهمت السياسة في الحث على ممارسة بعض الرياضات التي حظيت بولع كبير من قبل الجماهير، فلم يكن ذلك بريئا، إنه نوع من التحريض الموجه للشباب للاندفاع في هواية نتائجها تافهة في الحقيقة ويتجلى الأمر بوضوح في بلدان العالم الثالث، إذ أصبحت، إذن، كرة القدم فيه بمثابة أفيون الشعب. وقد فهم السياسيون هذا الوضع واستغلوه استغلالا ذكيا فأصبحت كرة القدم التسلية المفضلة لدى الناس تشغل البؤساء (المتفرجون والهواة والأنصار) عن بؤسهم وتمحي انشغالاتهم الأساسية عما يثير الوجدان الإنساني. ففي البلدان الأوروبية -على وجه المثال-نرى أن كرة القدم تغطي التردي الاقتصادي ووباء البطالة وفشل الليبيرالية المتوحشة، أما في أمريكا اللاتينية فالظاهرة أخذت أبعادا ميتافيزيقية”ǃ أما عندنا فالأمر مختلف عما يدور عند الغير، ذلك أن العنف الكروي في الملاعب لعب دورا سياسيا محضا وذلك أثناء الفترة التي تبلور فيها الحس الوطني، لقد كانت مباراة كرة القدم قبل 1954 وثورة نوفمبر مناسبة للمناصرين الجزائريين أن يتناحروا على مرأى من قوى الأمن الفرنسية التي كانت تشجع هذا التطاحن وتنظر إليه بارتياح تام. وجاء اندلاع الثورة ليضع حدا نهائيا لهذا الاقتتال الأخوي، فاتسم بالسياسة حاملا في طياته، شئنا أم لم نشأ، طابع العشائرية والقبائلية والحرمان السياسي، ولم تتوقف هذه التصرفات إلا عندما وضعت جبهة التحرير قواعد اللعبة وحددتها بكل صرامة. وبعد خمسين عاما من الاستقلال نرى التاريخ الرياضي يعيد نفسه، إذ أن الشبيبة تلجأ - اليوم- إلى المظاهرات في الملاعب للتعبير عن استيائها وعن الشعور بشقائها وبعزلتها، لا لشيء إلا لأنها تعاني حرمنا كبيرا وتعاسة كبيرة وبطالة لا تطاق، فتردد هذه الشبيبة - في الملاعب- شعار (قد تخليتم عنا وأهملتموناǃ”. والمفارقة الكبرى هي أن كرة القدم فسحت المجال أمام شبيبة العالم لتعبر عن موقف سياسي، فأصبحت كرة القدم مكان الممارسة السياسية. ثم تأتي البطولة العالمية لكرة القدم وينسى كل الناس الطابع السياسي الذي يوسم هذه الرياضة، خاصة وقد أصبحت سوقا مالية رهيبة، حيث أجور اللاعبين ضرب من ضروب الاستغلال، كما أنها أصبحت معقلا للفساد المالي والرشوة. إلا أن.. إلا أن كل الناس يحبون هذه الرياضة وكل الجزائريين يحبون فريقهم الوطني رغم الشوائذ والشكوى والريبة و”لعقوبة” للمباراة ضد روسياǃ أنشر على