ليلة القدر هي مِنّة ومنحة لهذه الأمّة الّتي يريد الله بها خيرًا بتِكرار مواسم الخير لها، وهي اللّيلة العظيمة الّتي شرّفها الله سبحانه وتعالى بقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} سورة القدر. ندب الله سبحانه وتعالى إحياء ليلة القدر، لأنّها ليلة شريفة مباركة معظّمة مفضّلة، تُرجى إجابة الدّعاء فيها، وهي أفضل اللّيالي حتّى ليلة الجمعة، قال الله تعالى: {ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ} القدر:3، أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدّم من ذنبه” أخرجه البخاري وأبوداود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه. لقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمّته إلى التماس ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وفي ليالي الوِتر منها، كما روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر في رمضان”. والله عزّ وجلّ أكرم الأمّة المحمّدية بليلة القدر الّتي يكون العمل فيها خير من ألف شهر، وسنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأمّته الاجتهاد في ليالي العشر الأواخر، لإدراك فضل ليلة القدر. روى البخاري عن أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر الأواخر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله”. فينبغي على المسلم أن يطلب ليلة القدر في ليالي العشر الأخيرة كلّها؛ بالأعمال التالية: القيام: روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”. الدّعاء: قالت أمّنا عائشة رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قال: “قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي” أخرجه الترمذي. المحافظة على الفرائض: قال الله تعالى في الحديث القدسي: “وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ” رواه البخاري. المحافظة على العشاء والصّبح جماعة: روى مسلم من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ”. الاجتهاد في العبادة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ” رواه البخاري ومسلم. الاعتكاف: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَعْتَكِفُ في كلّ رمضان” كما قالت عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري. وجدير بالمسلمين أن لا يفوتهم وقتها ويحيوها بما يُناسب مكانتها الرّوحية، فيمضون وقتها كلّه قيامًا بين يدي ربّهم ضارعين مبتهلين مسبّحين راكعين ساجدين لله شاكرين.