تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    لجنة تابعة للأمم المتحدة تعتمد 3 قرارات لصالح فلسطين    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    ميلة.. تصدير ثاني شحنة من أسماك المياه العذبة نحو دولة السينغال    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    الاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا يثمن قرار الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين صهيونيين    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    أكثر من 10 آلاف مشروع مصرّح به    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخباز.. حرفة تحت رحمة نيران أفران تفوق 200 درجة وأمراض مزمنة
صعوبة الحرفة جعلت نشاطها يقتصر على مالكي المخابز
نشر في الخبر يوم 17 - 10 - 2014

تراجع دور المرأة في المنزل سيعجّل بخلق أزمة خبز في الجزائر
يكاد يجمع الخبازون على أن الحرفة لن تتواصل عبر الزمن، حجتهم في ذلك مجموعة مؤشرات مستقاة من الواقع، تبدأ من حالة العزوف عن العمل، حيث غالبا ما يغادر الملتحقون بالمخابز في أول يوم لهم، وهو ما جعل الحرفة تنحصر في مالكي المخابز، بسبب كثرة الأمراض الناجمة عنها، والتي تصبح مع الوقت مزمنة، نتيجة التعرض الدائم للحرارة والتي تعد حسبهم أكبر عامل منفر، حيث قال البعض إن نافذة الفرن عندما تفتح تعد بمثابة "جهنم"، حيث الحرارة تفوق 200 درجة، وهو ما يؤثر على العينين والرئتين، فضلا عن الوقوف الذي يسبّب مرض "الدوالي" للعاملين بها، وحذّر مختصون من تراجع دور المرأة في تحمّل مسوؤلية العائلة، وهو ما سيخلق بعد بضع سنوات أزمة "خبر" حادة كالتي تعانيها دول الجوار.
كانت جولة “الخبر” في إعداد هذا الملف موجهة منذ البداية نحو تسليط الضوء على تجربة طويلة ومريرة عايشها الأجداد وورثوها لأبنائهم وأحفادهم تخص عائلة “الرايس”، وهي عائلة منشأها ولاية جيجل، غير أن القدر ولقمة العيش جعلت الأجداد الأوائل يرحلون صوب ڤالمة للبحث عن فرصة عمل، وكان لهم ذلك من خلال شرائهم لمخبزة في قلب المدينة ما تزال بعد مرور أكثر من قرن من الزمن تعمل وتحافظ على سمعتها.
استعرض في هذا الشأن أحد الحفدة، وهو عماد بوغولة، تجربته مع الفرن والحرارة، وكانت حالته تلك التي وجدناه عليها وهو مكبّ على “المسطرة” التي يستخرج بها قوالب الحلوى من الفرن، ويمسح العرق المتصبب بقميصه، أكبر دليل على مشقة المهنة، حيث حرارة الغرفة تفوق الخمسين درجة، أما الفرن فقد قدرها بقرابة 150 درجة، تحدث وهو يواصل عمله نظرا للطلبات التي تنتظره وبين الحين والآخر يدخل أحد الزبائن، فقال إن التحاقه بها يعود لبداية الألفية، وذلك بعد أن توقف عن الدراسة في مرحلة المتوسط، وهذا ما جعل والده يضمّه لفريق العمل بالمخبزة. كانت البداية، حسبه، صعبة للغاية، فالحرارة الشديدة، وساعات العمل طويلة تبدأ من السادسة صباحا وتنتهي في الشتاء عند السابعة مساء، وفي الصيف يستمر العمل حتى الحادية عشرة ليلا، ومع ذلك يقول عماد: “دائما أسلي نفسي حيال كل هذه الصعوبات التي تواجهني في عملي بكونها كما يقول أبي “الخبزة”، إضافة إلى أننا ملاك للمخبزة ويجب علينا السهر على استمراريتها”.
اعتبر حفيد “الرايس” أيام العمل متشابهة، فلا يكاد يخلو يوم عمل داخل المخبزة من تسجيل حوادث، وخاصة الحرائق التي تصيب أنحاء متفرقة من الجسم واليدين تحديدا، وكثرة الضغط خاصة في الأعياد والمناسبات المختلفة، ويرى أن العمل في هذا الوقت يسجل طلبا متزايدا بخلاف ما كان عليه في وقت سابق، حيث الأفراح حاليا تتواصل على مدار أشهر السنة، بعكس ما كانت عليه سابقا حيث تقتصر على فترة الصيف، وهذا ما يجعلنا نعايش ضغطا كبيرا كل الفصول، ويضيف عماد: “لو لم تكن هذه المخبزة ملكا مشتركا لأبي وأعمامي لما عملت بها يوما، وهذا ما يجعلني أنأى بأنبائي عن العمل بها، أريد لهم مستقبلا غير هذا الذي أتخبط فيه، حيث التعب يفوق طاقة البشر”.
أدوات بسيطة للعمل مقابل حرارة تصل 150 درجة
تحدّث عماد وشقيقه موسى الذي كان معه بالمخبزة عن المصاعب التي يشتركون في تحمّلها داخل غرفة متوسطة الحجم، يوجد بها فرن وبعض المعدات البسيطة للعمل، وخاصة منها المسطرة الطويلة التي يستعين بها الفران في استخراج محتوياته وحتى ينأى بنفسه عن لهب الفرن، وكذا قطعة قماش كبيرة يستعين بها على حمل القوالب التي تخرج من الفرن ملتهبة. ويعتبر الشقيقان تجربتهما بسيطة مقارنة بعمل والدهما “عمار”، الذي عمل لمدة 26 سنة وتوقف لأنه اليوم لا يستطيع تحمل نار الفرن وضوضائه، حيث يقول موسى إن “المخبزة تفرض علينا الحضور اليومي، وهذا ما جعلني أعمل في كل الأعياد، ولم أعرف أبدا معنى لهذه المناسبة، كما عملت في كل الفصول، ولكن يبقى الصيف حالة خاصة، حيث درجة الفرن تقارب 150 درجة، وهو عمل روتيني يتكرر بكثير من الملل؛ صباحا يبدأ بتسخين الفرن، ثم يترك ليبرد قليلا وعندما تستقر درجة الحرارة فيه يتم إدخال القوالب التي تتباين حسب طلبات الزبائن بين تحمير الدجاج والخراف وطهي الكفتة وتحميص القهوة والذرى والكاكاو وبعض البذور، ويتم تسخين الفرن في اليوم نحو ستة مرات حسب الطلبات المتوفرة لدينا، ويضيف أن ميزة مخبزة “الرايس” أنها مصنوعة من الحجر، وهذا ما يقلل من تذمر الزبائن، كما لا يحتاجون إلى توصية على طلباتهم.
شهر رمضان: استثنائي من حيث الحرارة والعطش والإغماء
عندما سألنا بعض العاملين في المخابز عن ظروف العمل في شهر رمضان، الذي يعد شهرا استثنائيا من حيث الحرارة والعطش، حيث الصائمون عادة ما يهرعون إلى البيوت المغلقة والمكيفة، بعكس العاملين في المخابز الذين يكتوون طوال ساعات اليوم بنيران الفرن، قالوا إنه شهر يتضاعف فيه العمل حيث يكثر الطلب، والوقوف بالقرب من الفرن لساعات يفقد القدرة على التحمل، وهناك الكثير من العاملين يفقدون وعيهم بسبب الحرارة الكبيرة والعطش. وهذا الحال يجعل البعض يعمدون لتقسيم ساعات العمل على ألا تتعدى الأربع ساعات لكل واحد، في حين أن المخابز التي تعتمد على جهد ثلاث أشخاص يصبح العبء أكبر، ويفرض عليهم التحمل كل ساعات اليوم، على أن يكون عملهم كل يومين بشكل متناوب، وهذا بسبب ارتفاع حرارة الجو عموما، وحرارة المخبزة بشكل خاص، حيث عادة ما تصل الحرارة بالقرب من الفرن في هذا الفصل نحو 70 درجة، وهذا يكفي للاستدلال على صعوبة المهمة. وروى محدثونا تجارب لبعض طالبي الشغل الذين توقفوا عن العمل في الصبيحة نفسها التي التحقوا فيها بالمخبزة، وتنازلوا حتى عن مقابل ساعات عملهم الأولى بسبب خطورة هذه الحرفة، وهذا عامل رئيسي وراء عزوف الناس عن الالتحاق بالمخابز عموما، وجعل الأمر يقتصر على ملاكها.
استمرار نشاط المخابز مرهون بجهد الملاك والعاملين
تعلق بعض المخابز نشاطها بعد مدة قصيرة من انطلاقتها، بسبب العوائق الكثيرة التي تواجه العاملين بها. وإن تواصل نشاط بعضها على غرار تجربة مخبزة “الرايس” فإن ذلك مرتبط بإرادة الأبناء والأحفاد، فلا يتحمل الجميع العمل في مخبزة تضاهي حرارتها “السعير”. وإن تمكنت مخبزة “الرايس” في التصدي لمختلف هذه العوائق والمتغيرات، فبفضل جهود أبناء وأحفاد يشكلون في مجموعهم نحو 15 عائلة ضمن الأسرة الكبيرة، والتي هي في الأصل عائلة من ولاية جيجل، قام أحد الأجداد القدامى وهو “عمار” المشهور بلقب “الرايس”، وهو اسم بقي مقترنا بالمخبزة لليوم، بشراء المخبزة، رفقة شقيقيه صالح ومحمد، خلال فترة الاستعمار وتحديدا في سنة 1932، وكان المقابل حينها، حسب الحفيد عماد، لا يتعدى مبلغ 30 دج، وتحدث عن بنية المخبزة المتميزة عن باقي المخابز الموجودة بالولاية، بحكم أنها مبنية من الداخل من الحجر، وهي إحدى السمات التي أكسبت المخبزة سمعة وتميزا في عملها على مدار أكثر من قرن من الزمن.
معاناة طويلة من العمل بالحطب والمازوت ثم الغاز.. تغيرات محفورة في ذاكرة أجيال
تحدث الأحفاد عن التغيرات التي طرأت على طريقة وأدوات العمل مع مرور الوقت، حيث بدأ الأجداد نشاطهم بالاعتماد على الحطب، حيث يضطر العاملون بها لجلب كميات معتبرة بواسطة الشاحنات من الحطب الذي يستخدم لتسخين الفرن، وهذا في حد ذاته عمل شاق مضاعف للعمل داخل المخبزة عموما، حيث يتطلب العمل تسخين الفرن، ثم تنقيته من الرماد.
ثم تحول العمل إلى استخدام المازوت، والذي يتطلب هو الآخر جلب قارورات كبيرة الحجم تصل سعتها إلى 200 لتر، وقد أثّر استخدامه كثيرا على العاملين بها، من حيث الضجيج الذي يحدثه أثناء تشغيل الفرن، والروائح المنبعثة منه التي تصيب مباشرة الرئة، قبل أن يستقر العمل على مادة الغاز الذي هو أفضل المواد حسب محدثنا، ومع ذلك، يضيف،- فإن هذا العمل لا يبقى فيه سوى صاحب “الصنعة” ومالكها، وخير دليل على قوله انحصار عمل مخبزة “الرايس” في جهد الأشقاء والأبناء والأحفاد، حيث كلما قاموا بجلب عاملين جدد إلا وغادروها بعد فترة وجيزة بسبب الصعوبات التي يتطلبها العمل من ساعاته الطويلة والحرارة والجهد العضلي الكبير وقلة الوقت المخصص للراحة، حيث لا تتوقف المخبزة عن النشاط إلا في وقت الظهر من يوم الجمعة، وهو ما يتطلب التناوب على العمل بين أفراد العائلة، وهذا ما جعل مردود المخبزة ينقسم على نحو 14 عائلة تشمل الإخوة الكبار وأبناءهم وأحفادهم.
تحدّث الحفيد موسى عن “اقتصار” حياته في عمله بالمخبزة، حيث تتكرر الأحداث المرتبطة نفسها دائما بالمخبزة ونشاطها ساعات عمل طويلة، مصحوبة بإرهاق شديد، فالعودة إلى المنزل منهك جدا، حيث يصلي ويتعشى ثم ينام، وفي ذلك يقول: “لو فكرت في السهر فلن أستطيع النهوض في اليوم الموالي. فقدت بعض وزني. وعندما يصل دوري في الراحة ويتولى أبناء عمومتي المخبزة لا أصدق في الصباح أنني حر وأنني في منزل العائلة ويمكنني أن أنام وأستيقظ وقتما أشاء، وفي فترة الراحة يظهر العياء وتبرز أكثر حقيقة الأمراض التي نعانيها بسبب هذا العمل”.
الوزارة تضغط على المخابز ولا تقدّم الحوافز ولا يتم التكفل بالمرضى
تحدث الخبازون عن تراجع دور الوزارة وباقي الجهات المعنية في التكفل بالخبازين، من ناحية الأمراض المزمنة التي نتجت عن العمل الطويل وفي ظروف قاسية، وكذلك الضغط الكبير من جانب المواطن، والذي يفرض على الجهات المعنية فرض ضغوط مضاعفة على نشاطهم، حيث تحدث في هذا الشأن مرابط بوزيد، العامل بإحدى المخابز بحي “بورجيبة”، عن تجربة 14 سنة مع الفرن والضوضاء، حيث قال إن الطلب تزايد مقارنة بتراجع العاملين بالمخابز، والذين يبحثون عن فرصة للعمل في فصل الشتاء ويغادرون في الصيف، إذ إن الجميع يهرب من حرارة الفرن التي تصل 280 درجة، وهو ما نجم عنه إصابة العاملين بأمراض خطيرة.
ويرى مرابط أن العمل بالتناوب ليس الحل الأمثل، وحذّر من تعرض الحرفة للانقراض بعد فترة من الزمن، وهذا بسبب غياب التكوين وصعوبة المهنة وعدم تأمين الكثير من العاملين بها وتعويضهم عن الأضرار التي يتعرضون لها جراء الأمراض المزمنة التي تصيبهم، خاصة مع وقوف العاملين بها لساعات طويلة معرضين أجسادهم للحرارة، وهذا ما أفرز أمراض الحساسية بسبب الانتقال بين وسطين مختلفين حار وبارد، وغبار الدقيق والفرينة، وانتشار مرض الدوالي بين العاملين بالمخابز نتيجة طول فترة الوقوف أمام الفرن، وتعرض أنحاء متفرقة من الجسم لأمراض نتيجة الحركة المكثفة.
كما رأى مرابط في التعليمات التي تلزم بها الجهات الوصية الخبازين بالمناوبة في المناسبات ضررا كبيرا للعاملين بهذا المجال، وخاصة مع اقتراب عيد الأضحى، حيث تساءل المعني عن الخسائر التي قد تنجم عن عدم بيع الخبز في أيام العيد ومن يتحمل تكاليفها، ولهذا طالب بضرورة اتخاذ تدابير تراعي ظروف الخبازين وتعويضهم في حال ألحق بهم ضرر، واعتبر مرابط حالة الفوضى مردّها غياب ممثل عن الخبازين بالولاية، وغياب تنظيم يعبّر عن انشغالاتهم اليومية.
كما طالب المعني بتدخل السلطات العمومية لإعادة النظر في عملية الدعم التي أقرتها الوزارة حسبه في وقت كان سعر عبوة الزيت دج والسميد ب1000 دج، وقال إن الدعم موجه للمطاحن وليس للخبازين الذين يتكبدون وحدهم مبالغ كبيرة تخص السميد والفرينة والخميرة والزيت والضرائب وحقوق العاملين وغيرها، وقال إن هناك عقوبات مسلطة على الخبازين ولكنها ليست مقترنة بالحوافز، ولا يتم مراعاة الأضرار الكثيرة التي يعانيها العاملون في المخابز، وكذا الضغط الكبير الذي يؤدي عادة إلى هجرة العمال وبقاء القلة منهم مرهونا بمستقبل عيالهم ليس إلا.
26 مرضا مزمنا يتكفل بها صندوق الضمان الاجتماعي
ذكر مدير الضمان الاجتماعي لولاية ڤالمة، كمال عطاب، أن مديرية الصحة واللجنة الوطنية المكلفة بملف الصحة العامة أحصت 26 مرضا مزمنا يتم التكفل به عبر شبابيك الصندوق، ولأن الخبازين مسجلين ضمن صندوق التأمين لغير الأجراء يتم التكفل بهم على مستوى هذه الهيئة، وعدّد عطاب الأمراض التي وصفها ب “الخطيرة” والتي يتكفل بها الصندوق، منها السرطان والربو وغيرها.
المختص في علم الاجتماع: ظاهرة “المخابز” تعبّر عن تراجع في مسؤولية المرأة وتغيّر هندسة المنازل
حاول الأستاذ فاتح دبيش، المختص في علم الاجتماع، تفسير ظاهرة انتشار المخابز مقابل تراجع دور المرأة في تحضير “الكسرة” في المنزل، بالعودة إلى جذور النشاط الذي عرف سابقا بمهنة “الفرّان”، وارتبط ببعض العائلات المعروفة والعريقة وورثت الحرفة عبر الأجيال، كما هو الحال في بلدان المشرق العربي، وفي الجزائر تشتهر المهنة لدى عائلات “جيجلية”، غير أن المتغيرات الجديدة فتحت المجال وأصبح، حسبه، من لا يجد عملا يفتح مخبزة، حتى إن الأمر لا يتم وفقا للمعايير، خاصة مع دخول المخابز الصناعية واستعمال أساليب جديدة في العمل الذي لا يحترم معايير القيمة الغذائية والصحية عادة، وتفشي الغش في الكمية والنوعية، وفي السعر أيضا، وما رافق ذلك من “الربح السريع”.
ويضيف الأستاذ دبيش أن المخابز جعلت عمل النساء يتراجع وحتى الماكثات في البيت، وهو ما يظهر بجلاء من عمد النساء والرجال على السواء إلى شراء في مرحلة أولى الخبز، ثم اليوم يكثر الطلب على “الكسرة”، وإذا كان سعر الخبز 10 دج، والخبز ذي النوعية الرفيعة حسب زعم الخبازين ب15 دج، فإن سعر “خبزة الكسرة” يعادل خمسة أضعاف أي ب50 دج، والمرأة الحديثة، حسبه، لم تعد تفكر في ميزانية العائلة، لأن همّها الوحيد هو التحرر من “الطاجين” أو الأداة التي تحضّر عليها الكسرة والهروب من الحرارة، كما أن الكثير من النساء عمدن إلى تقليد غيرهن دون الشعور بالمسؤولية تجاه الزوج والأبناء، ومن ثمة الحفاظ على صحة العائلة وتوفير قيمة غذائية ملائمة، والتي تكون عالية في “الكسرة” مقارنة بالخبز، والدليل، حسبه، أن المجاهدين في وقت سابق كانوا يكتفون بقطعة كسرة لتمضية يوم كامل في الجبال، وهذا دليل على قيمتها الغذائية العالية.
ورأى الأستاذ دبيش في التركيبة الهندسية للمنازل الحديثة عائقا آخر للتحوّل نحو اقتناء الخبز والكسرة من المحلات، وهذا بسبب العمارات وضيقها، عكس المنازل العربية التقليدية التي تتوفر على باحة واسعة داخلها تمكّن ربّة البيت أن تمارس نشاطها فيها، وثمة عامل آخر يتعلق بتنازل الأمهات سابقا عن بعض الأعمال المنزلية للبنات بمجرد بلوغهن سنا معينة، وهو ما يبقي على مثل هذا النشاط حاضرا عبر الأجيال، عكس اليوم حيث تشفق الأمهات على البنات بسبب الدراسة والعمل، وهذا سيؤدي، حسبه، إلى نتائج سلبية وتراجع الكثير من الأعمال المنزلية التقليدية- يضيف الباحث- أنها لن تظهر في السنتين القادمتين، ولكن بعد خمسة سنوات أو أكثر ستظهر أعراض أزمة الخبز في الجزائر، كالتي تعانيها دول عربية لأسباب اقتصادية واجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.