❊ضرب وجرح الأصول: جناية يعاقب عليها القانون بالمؤبد أحدثت جريمة القتل التي تعرّض لها الضحية "ب.محمد"، البالغ من العمر 62 سنة، على يد ابنه خالد العشريني، والذي طعنه بسكين كان يقطع به "البطيخ"، فحوّله إلى سيف سلّ في وجه أبيه، واحدة من القضايا التي هزت الرأي العام بولاية ڤالمة عموما، وبمشتة "راس العين" ببلدية عين بن بيضاء على وجه الخصوص، والعنصر الثاني الذي ضاعف من تراجيديا الواقعة كونها تزامنت وثاني أيام عيد الفطر المبارك الماضي، في وقت كانت العائلات تعبّر عن فرحتها بالتقارب والتغافر وتوطيد صلة الرحم. هذه الفاجعة التي تعود إلى يوم 28 جويلية الماضي، كان أحد منازل مشتة راس العين، الواقعة بأقصى الجهة الشرقية لولاية ڤالمة، مسرحا لها، وسجل في ذلك اليوم المشؤوم مقتل والد، وتحوّل ابنه إلى السجن ليأخذ جزاءه، كل ذلك بسبب عدم قدرة الابن على ضبط نفسه، حيث قال إنه تعرض لمضايقات من قِبل شخص خارج المنزل، وعندما عاد أخذ والده يوبّخه، فلم يتحمل ذلك فكانت النهاية مأساوية للغاية. في يوم الحادثة تلقت فرقة الدرك الوطني بعين بن بيضاء بلاغا في حدود الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، يفيد بتعرض أب لطعنات بواسطة سكين على مستوى البطن كانت كافية لقتله، سارعت قوافل النجدة لإغاثته، ونقله إلى مستشفى عين الباردة التابع لولاية عنابة، على أمل أن ينقذ الضحية، غير أنه مات قبل أن يصل للمستشفى. جريمة في ثاني أيام عيد الفطر حسب المعلومات التي تحصلت عليها “الخبر” بخصوص الواقعة الأليمة، فإن ظروف الواقعة تعود لشهر جويلية الماضي، وفي اليوم الثاني من عيد الفطر، حيث كان الجاني جالسا بفناء المنزل يقوم بتقطيع “البطيخ” بواسطة سكين، في هذه الأثناء عاد والده إلى المنزل، وتبادلا الحديث قبل أن يتحوّل إلى مناوشات، ثم تطورت الأمور بينهما إلى شجار، فقام الجاني بطعن والده بالسكين التي كانت بيده، حيث وجّه له طعنات غائرة على مستوى البطن، وتركه يتخبط في الدماء وفرّ إلى وجهة مجهولة. لم يكن أحد من أفراد العائلة، حسب ما رووه، قد تفطن لفصول الجريمة التي دارت بين الابن والوالد، حسب ما ذكر، عندما فتحت مصالح الدرك تحقيقا موسعا لمعرفة ملابسات الحادث، لكن فيما بعد جاءت رواية أخرى مناقضة لهذه، وتفيد بأن والدة الجاني كانت حاضرة لحظة الشجار، وحاولت الدفاع عن ابنها والحيلولة دون أن تحصل جريمة، لكن سكين القدر كانت أقوى من الحذر، وعندما انتبهوا إلى ما جرى سارعوا في أول خطوة إلى نقل الضحية إلى مستشفى عين الباردة بولاية عنابة، وقد توّلى ابنه منصور ذلك. لكن الوقت الذي كانت السيارة تسابقه كان أقوى، والدماء التي نزفت من بطنه والجروح الغائرة كانت كلها عوامل قللت من كل فرصة في النجاة، فلم يكد الابن يصل للمستشفى لنجدة والده حتى أسلم الروح قبل أن يبلغها، والشيء الوحيد الذي تم أن الضحية خضع لمعاينة الطبيب الشرعي، ثم وضع في خزانة الأموات إلى حين استكمال إجراءات الدفن ونقله إلى مثواه الأخير، ليبقى الابن يصارع مصيرا، يتمازج فيه الندم على ما حصل والخوف من غياهب السجون. الدرك يمشّط مشتة راس العين بحثا عن الجاني عند تلقيها البلاغ بوقوع جريمة قتل بمشتة راس العين، قامت فرقة الدرك الوطني التابعة لإقليم بلدية عين بن بيضاء، في حدود الساعة الثامنة من صبيحة اليوم الموالي للواقعة المشؤومة، بتشكيل دورية قامت بعملية تمشيط واسعة لمكان الجريمة ومحيطه بالمشتة، حيث أسفرت العملية التي استغرقت زمنا معتبرا عن إلقاء القبض على الجاني، والذي كان قد هرب إلى غابة مجاورة لمسكنه، وهذا خوفا من تبعات الحادثة. وقال الجاني عند استجوابه من قِبل محققي الدرك فيما يتعلق بأداة الجريمة، والتي لم يعثر عليها معه حينها، إنه قام بإخفائها عند شجرة زيتون بالقرب من مقبرة تبعد عن منزله بحوالي ثلاثة كيلومترات، في محاولة لإبعاد الشبهة عنه. 44 ساعة من التوقيف بفرقة الدرك أوقف المعني حوالي 44 ساعة لدى فرقة الدرك لاستجوابه، وتم الاستماع لمختلف الأطراف ذات الصلة به وبالواقعة، حيث حاول الجاني تقديم الكثير من التبريرات في محاولة يائسة منه لدرء الخطيئة عنه، حيث من عادة الغريق التعلق ولو ب«قشة”، قد يجد فيها أمل الخلاص من موت محتوم، والتملص من تبعات هذه الفعلة التي بدت تفاصيلها مثل “كابوس” مزعج لم يستغرق سوى بعض دقائق، وانتهى الأمر، ليس باستيقاظ الجاني من النوم، ولكنه تفطن لسوء ما صنعت يداه، وما جرّ عليه شيطان الغضب، فكان شجار وقع بينه وبين والده، وفي لحظة امتزج فيها الخوف بالغضب، كافيا لتحويل مشهد الحديث العادي إلى ثورة، وتطوير تفصيلاته، وحبكة عقدته بشكل أكثر ليصبح أكثر عنفا ودموية، حتى حصلت المأساة، هذه التي لم تكن تخطر على بال الجاني والضحية أبدا. تحدّث الجاني عند سماعه من قِبل محققي الدرك عن السياق الذي حصلت فيه الجريمة البشعة، وهو يعيد استرجاع وسرد شريط الأحداث التي حصلت معه قبل تلك اللحظة البائسة، فذكر أنه في اليوم نفسه، وقبل الحادثة بقليل، حصلت بينه وبين شخص من المنطقة نفسها مناوشات كلامية داخل محل تجاري، وهو ما جعله يسارع ليخبر شقيقه بما حصل، وأن المعني كان ينوي ضربه، فطلب منه شقيقه العودة للمنزل، وعاد فعلا، وعند عودته كانت والدته قد عاينت ما اعتراه من انفعال شديد، وحاولت أن تهدئ من روعه، وعلى عادة الأمهات أن أهم شيء يحرصن عليه هو تقديم الطعام للأبناء، والحديث إليهم حتى يزول الضيق أو الروع عنهم، فحثّت الوالدة ابنها على أن يتوجه للمطبخ ليأكل شيئا، لكن الجاني دخل فعلا للمطبخ ليس طلبا للطعام، لكنه استغل وجوده بالمطبخ وحمل سكينا وخبّأه وراء ظهره، بنيّة أن يلحق الأذى بنفسه إذا ما تعرض للضرب من قِبل والده بسبب الشجار الذي حصل مع الشخص الآخر، وفعلا وبّخه والده على ما حصل من شجار. الجاني حاول الدفاع عن والدته في هذه الأثناء، كانت الأحداث تتسارع بشكل رهيب، حيث لم يمض زمن يذكر بين دخول الابن للمطبخ وعودة الوالد، ولو سئل الجاني عن هذه العودة لتمنى لو أن والده بقي خارج المنزل لفترة أطول حتى لأيام أخرى لا يهم، فالمهم أن تزول هذه الغمامة وتهدأ النفوس، ثم يجعل اللّه للأمر مخرجا، لكن والده رجع للمنزل ونيّته توبيخ ابنه، لذلك كانت النتيجة أنه وبمجرد دخول الوالد إلى المنزل حصلت مناوشات كلامية مع ابنه، وحاول أن يضربه، حسب ما رواه الجاني، وهنا تدخلت الوالدة لتحول دون أن يضرب ابنها. وقال الابن إن والده عندما رأى أمه تدافع عنه ثار غضبا ووجّه إليها صفعة حتى تتنحى من طريقه، فكانت النتيجة أن الابن حاول بدوره أن يحمي والدته، ولم يكن ذلك بطريقة سلمية بإبعاد الأب عنهما معا، لكنه أخرج السكين الذي خبّأه ووجّه طعنات للأب على مستوى البطن كانت كافية بأن تجعل الوالد يسقط بفناء المنزل. كان المشهد في فناء المنزل المفتوح سقفه على كل شيء مأساويا للغاية، وكانت ساعات الليل تزيد الوضع تراجيدية مما هو عليه، ويصبح السواد يوشح المكان، تتعالى مع ذلك أصوات صراخ وعويل، حضر خلالها الأخ منصور وطلب من الجاني أن يهرب، حسب ما ذكره المعني، حيث كان يأمل أن ينقذ والده ويعود للحياة، وعندما تهدأ العاصفة ستسوى كل المشاكل وتحل، لكن الجاني لم يجد وجهة محدّدة يمكنها أن تكون المكان الآمن الذي سيلوذ إليه طلبا للحماية والرحمة، ومع ذلك لم يكن له من سبيل للخلاص سوى الهروب، فكان له ذلك، حيث قصد غابة مجاورة لمنزله، يمكنه من خلالها ترقّب ما يحصل، ويطّلع على كل تطور، وبقي فيها لليوم الموالي قبل أن تكتشف فرقة الدرك مكانه. الوالدة: ابني لم يقصد طعن والده بالسكين ذكرت والدة الجاني وزوجة الضحية أن ابنها لم يكن ينوي طعن والده بالسكين، كما أنها ذكرت أن زوجها لم يقم بضربها، حسب ما زعم الجاني في تصريحاته. وفي يوم 31 جويلية الماضي، قدم الجاني أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة بوشڤوف، الذي أمر بإيداعه بمؤسسة الوقاية بالمنطقة نفسها، في انتظار أن تفصل العدالة في واحدة من قضايا الاعتداء على الأصول. ضرب وجرح الأصول: جناية يعاقب عليها القانون بالمؤبد تقديرا للرابطة الأسرية “المقدسة” اهتم المشرّع الجزائري بهذه اللبنة داخل المجتمع، وذلك بوضع قوانين لتنظيمها وحمايتها، واعتبرت الأسرة، حسب نص الدستور في المادة 65 منه، أنها الخلية الأساسية للمجتمع، وهي تحظى بحماية الدولة، ويظهر الاهتمام بها من خلال قانون الأسرة، القانون المدني وقانون العقوبات الذي جاء بكافة القواعد التي تكفل حمايتها، وتوفير جميع مستلزمات أمنها واستقرارها، وردع كل مخالف ومعتد عليها، أو مخل بالتزام أو واجب، واعتبار الأصول والفروع من الأطراف الأساسية لبنائها، والتي يجرّم فيه الاعتداء عليها. وقرر المشرع في المادة 267 من قانون العقوبات حالات متنوعة ضد كل من يحدث عمدا جرحا أو ضربا لوالديه الشرعيين وهما أبوه وأمه، وأصوله غير الشرعيين وهما جده وجدته، وتصنف هذه الواقعة التي راح ضحيتها الوالد “ب. محمد” ب«الجناية”، المنصوص عليها بالمادة 258، ومعاقب عليها بالمادة 261 من قانون العقوبات، حيث جاء في المادة 267 من قانون العقوبات أنه يعاقب بالحبس من 5 إلى 10 سنوات كل شخص يتهجم على أبيه وأمه أو جده بالضرب والجرح العمدي، ويعاقب بالسجن المؤبد من يضرب أو يجرح والديه وأجداده متعمدا ويتسبب في وفاتهم. كما دعت الشريعة الإسلامية إلى توثيق الروابط العائلية والاجتماعية بين الأبناء والآباء، وإلى تقوية صلات القربى والمحبة والتعاون، ونصّت آيات القرآن على أن “المال والبنون زينة الحياة الدنيا”، كما حثّ القرآن على البر بالوالدين “ووصينا الإنسان بوالديه حسنا”.