كان الوقت مناسبة شعبية يستعد لها الأهل والجيران في البليدة للاحتفال ب"يناير"، وكان البرد قد بدأ يلقي بنسماته. لم يكن حسين من عائلة شافعي، وأصغر أشقائه، يدري أنه لن يعود إلى حضن والدته وعصفورته التي توقظه كل فجر ويزور قبر الرسول والبيت العتيق في عمرة خطط لها رفقة والدته، حينما خرج عصر ال15 جانفي 2013 ليتلقى درسا في الدعم، لأن مجموعة إجرامية ترصدت له وطعنته طعنات قاتلة في حمية منهم وغفلة منه وضعف.
أسبوعان عن موعد عيد ميلاده ال19 أخفت والدة حسين هدية عيد ميلاده في ال30 من آخر الشهر، وتبضّعت لاحتفالية “يناير”، فاشترت المكسرات والحلوى والتمر والتين المجفف والعصير، وعادت إلى بيتها بالقرب من ملعب مدينة الشفة بولاية البليدة. وكانت كل ليلة تحمل إلى صغيرها “حسين” صينية فاخرة، بها ما طاب واشتهى من الحلوى والفاكهة، واحتفلت معه قبل موعد المناسبة.. كانا في غاية السعادة، ولم تكن تقدر أن تبعد ناظرها عنه، تمسح عنه في رفق وتضمه إليها وتدغدغه في حنان الأم الخائفة على وليدها. وهكذا كانت أيامهما سويا، ولما كان يوم ال15 من شهر جانفي للسنة الماضية، عاد حسين إلى مسكنه منتصف النهار، وتناول غداءه وكان طبقا من “العدس”.. أخبر والدته بأن المدعو “ب.ش” رماه بالمفرقعات ذلك اليوم وتضايق منه كثيرا.. هوّنت عليه والدته وخففت من غضبه، وعاد ليتلقى دروس الدعم في المساء. وفي حدود الساعة الخامسة و10 دقائق عاد إلى الدار وتناول كوبا من الحليب وقطعة حلوى، وسأل عن والدته ثم خرج، يقول شقيقه الطيب، وكانت آخر مرة يرى فيها شقيقه الضحية. ارتكاب الجريمة وخبر وفاة التلميذ حسين يعترف الشقيق الأكبر “الطيب”، في نص مكتوب، أن حارس الملعب قدم إليه وأخبره بأن “حسين” تعرّض لطعنات بالسلاح الأبيض، وتم نقله إلى عيادة موزاية لإسعافه.. توجه الشقيق الخائف وهو يدعو اللّه بنجاة “حسين”، لكن دعاءه جاء متأخرا.. حسين مات ولم يتحمل الإصابة العميقة والقاتلة في القلب. لم ينتظر عناصر الأمن كثيرا ليتم مباشرة التحقيق في الجريمة، وجاء في بيان وقائع الملف أن “ب.إ” و«ب.م” (حدثين قاصرين)، تمت متابعتهما بجرمي القتل العمدي وعدم التبليغ. اعترف الجاني المتابع بجرم القتل العمدي، حسب بيان الملف، بأن الضحية هو من استفزه بالكلام ولحق به وهو يحمل شفرة من حديد لتقطيع الورق، وحينما اقترب منه بالقرب من طاولة بيع الخضر لأحد الشهود في الملف، أخذ سكينا كان موضوعا فوقها وطعن الضحية على خلفية أنه يدافع عن نفسه، في حين اعترف المتهم الثاني بأنه كان يرافق المتهم الرئيسي وأنه شاهد الضحية “حسين” يسقط على الأرض في فعل استفزازي منه لما تبعهما وبيده شفرة (كيتور). وكادت أن تتشابه أقوال المتهمين خلال جلستي المحاكمة والاستئناف، وأكدا بأن الضحية هو من لحق بهما، وتطور تلاسن وقع بينهم إلى مشاجرة بمحل للبيتزا، لينتهي الأمر بطعن الضحية “حسين” بسكين وجده فوق طاولة لبيع الخضر. الدفاع يقحم أطرافا جديدة في الجريمة واتهام الأطباء المسعفين بالإهمال ممثل دفاع الطرف المدني حاول جاهدا إقحام أطراف أخرى في الجريمة، وأكد بأن الجريمة مبيّتة وفيها نية “الترصد” للضحية لقتله، وأن خلافا شخصيا وقع بين حسين الضحية وطرف آخر (ن)، ولم يقم بالتبليغ عن فعل الجريمة، هو ما يدعو إلى إعادة تكييف الوقائع وإضافة ظرفي “الترصد وسبق الإصرار”. فيما رأى دفاع المتهمين أن الضحية هو من استفز القاتل، وأن هذا الأخير لم يكن يحمل سلاح القتل بيده بل وجده خلال دفاعه عن نفسه، ليفاجئ الجميع بأن إهمال الأطباء الذين أشرفوا على إسعاف الضحية هو السبب في وفاته، كون الضحية تم تحويله من مستشفى لآخر ولم يكن يرافقه أي منهم، الأمر الذي سبب له نزيفا داخليا عجّل بوفاته.
9 سنوات سجنا نافذا للمتهم الرئيسي والبراءة للمتهم بعدم التبليغ هيئة المحاكمة كان لها نظر وقضت بتخفيض العقوبة من 10 سنوات إلى الحكم على المتهم الرئيسي في حكم مستأنف ب9 سنوات والإعلان عن حكم البراءة للمتهم الثاني، وبررت الحكم باعتبار أن المتهم الرئيسي اعترف طيلة مراحل الدعوى بطعن الضحية بسكين عثر عليه فوق طاولة لبيع الخضر، وأن الضحية هو من لحق به محاولا الاعتداء عليه. أما المتهم الثاني فجاء حكم المحكمة ببراءته لكونه سلم نفسه لمصالح الأمن عشية ارتكاب الجريمة. صدمة وغضب لدى أهل الضحية والدفاع يدعو إلى فتح تحقيق معمق كان النطق بالحكم على المتهمين في القضية صادما لأهل الضحية حسين، وخاصة والدته التي لم تتقبل الحكم وصرخت، في لحظة غضب، في وجه هيئة المحكمة واعترضت للحكم الذي وصفته ب«غير العادل”. ومن جانبها محامية دفاع العائلة، فليفتي هاجر، رفعت شكوى جديدة حديثا أمام مكتب النائب العام لمجلس قضاء البليدة تدعوه فيها إلى فتح تحقيق معمق جديد ضد أطراف جديدة تعتقد، حسب بيان شكواها، أن لديهم يدا في مقتل التلميذ حسين، وتتهمهم بجرائم عدم التبليغ عن جناية والقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد. وتوضح في شكواها أن هناك 3 أطراف أخرى شاركوا في جريمة القتل، لكنهم بدل توجيه إليهم التهم جاءوا، حسب وقائع الملف، شهودا. وتبيّن المحامية أن “ص.ع” هو من قدّم أداة القتل، أي السكين، للمتهم الرئيسي وقام بإخفائه وغسله من الدم، ورفض تقديم المساعدة للضحية لما كان طريحا على الأرض، كما أنه لم يحاول فك الشجار بين الطرفين ولم يهتم لأمره بنقله إلى المستشفى حينما تعرّض لطعنات قاتلة أمام عينيه. وهناك أمر خطير كشفته المحامية تعلق ب«ب.م”، وقالت بأن هذا الأخير كان يتلقى مبالغ مالية من والدة التلميذ حسين قبل مقتله لتوفير الحماية للضحية، كونه أخبر والدته بأنه مهدد من قِبل مجموعة من الأشخاص، وأن والدة الضحية القتيل استجابت لطلبه ومنحته 4000 دينار ثم ارتفع ليصبح 5000 دينار تدفع له كل شهر. وأكدت المحامية على أن الضحية كان وسيما ومجتهدا في دراسته وخلوقا ومحبوبا في وسطه الاجتماعي والدراسي، وهي الأسباب والدوافع التي جعلت من حوله يشعرون بالغيرة منه، لتضيف بأن جناية قتله ثابتة وأن الجميع تآمروا في التخطيط لقتله وتصفيته، خصوصا وأن بعض الأطراف كانوا يدرسون بالثانوية نفسها، إلا أنهم قاموا بتزييف الحقائق ورفضوا، حسب بيان الشهود، تقديم المساعدة له حينما تعرّض للطعن، بل إن منهم من قام بضربه بعد طعنه وركله ورفض مساعدته وهو ينزف ويموت ببطء. وقدّمت اعترافا جديدا على أن هناك شهود يؤكدون أن الجاني وقبل أن يطعنه صرخ فيه واحد من الأطراف المذكورين وقال له “اطعنه بالموس أفضل من مفك البراغي”، وهي كلها دلائل كافية لإدانة فعل القصد من القتل والمشاركة والتخطيط لذلك في نية إجرامية واضحة. حسين مات.. ووالدته تؤمن بأنها ستسافر وإياه لأداء العمرة الحقيقة المرة، في كل هذا المشهد الدرامي، أن والدة الضحية “حسين” لا تزال تعتقد في إيمان بأن فلذة كبدها وفرحتها سيسافر وإياها ويأخذها لأداء مناسك العمرة، وتفرح لما تستذكر لحظات حياته معها، وتقول إن حسين اشترى لها “خمارا أبيض” من أجل العمرة، وتعهّد لها بأنه سيجتهد أكثر وينجح في دراسته ويعمل ويكسب المال ويذهبا سويا للبقاع المقدسة. وتعود الأم المفجوعة بالأيام وتقول “المجرمون أخذوا مني قلبي وروحي ودنياي وآخرتي، حتى إن الطائر الذي كان يوقظه في كل فجر أخذوه”، وتفصل عن حقيقة الطائر (معروف محليا باسم الجحمومة) أنه كان يزور نافذة حسين كل صباح وكأنه ينقرها ليستيقظ حسين، لكن منذ رحيله عن الدنيا لم يعد للطائر مهمة، فهاجر وابتعد عن حبيبه “حسين”. وتواصل وتقول إنها ستظل تحتفظ بأغراضه من عطر وسبحة ومصحف وصوره وأدواته المدرسية وملابسه وكل غرض منه حتى يعود إليها، وتذهب معه لبيت اللّه الحرام ويعتمرا معا، وستدعو له ولكل مسلم بالصحة والعافية والأمن والأمان وتقرّ بذلك عينها وتنام بسلام.