عائلة المتهم متشبثة بالبراءة وتطالب بإعادة المحاكمة مرت خمس سنوات على الجريمة التي هزت الإقامة الجامعية احدادن ببجاية، وأصدرت المحكمة حكما نهائيا، والمتهم قابع في السجن ولغز وقوعها لا يزال يثير إشكالا في عقول القضاة والمحلفين وأصدقاء المتهم، وحتى رجال الأمن، فكل طرف في القضية يتمنى أن يكون غيره هو المخطئ والمذنب، وهذا يعود إلى العلاقة المتميزة التي تربط القاتل، الذي هو مدير الإدارة العامة للإقامة الجامعية المدعو “ب. لخضر”، بالمقتول وهو طبيب بالإقامة الجامعية نفسها، حيث إلى جانب علاقة الزمالة، تربطهما علاقة صداقة، تبعد كل الشبهات، وبالتالي جهل جميع الأطراف بحقيقة ما حدث داخل مكتب الطبيب، رغم وجود ممرض في إحدى زوايا المكتب لحظة وقوع الجريمة. وقائع الجريمة تعود إلى تاريخ 6 ماي 2009 في حدود العاشرة صباحا، لما خرج المدعو “ب. لخضر” مدير الإدارة العامة من مكتب الطبيب وهو ملطخ بالدم، حيث تبين تعرضه لعدة طعنات خنجر (خمس حسب تقرير الخبرة)، وتكفل فريق من العمال بنقله إلى المستشفى، ليهرع فريق آخر إلى مكتب الطبيب ليجدوه جثة هامدة غارقة في بركة من دمائه، ممسكا بسكين في يده اليمنى، ليتم بعدها استدعاء مصالح الأمن، وحضر وكيل الجمهورية الذي عاين الجثة وأمر بنقلها إلى مصلحة حفظ الجثث بمستشفى خليل عمران، حيث كان “ب.لخضر” يصارع الموت بقسم الإنعاش ودخول الجراحين في صراع مع الزمن من أجل تضميد الجراح وتوقيف النزيف. بعد أسبوعين كاملين قضاهما “ب.لخضر” في المستشفى لم يعلم بتفاصيل ما حدث، ويجهل إن كان الطبيب حيا أو ميتا، ولحظة استعادته لوعيه وشروع المحققين في استجوابه، وفي الطريق إلى مكتب وكيل الجمهورية أخبره مفتشان للشرطة أن الطبيب الذي تخاصم معه هو في عداد الموتى، وهو ما صدم كثيرا المشتبه فيه، وسألهما عن سبب وفاته، فردّا عليه أن طعنات السكين بلغت شرايين قلبه، فرد عليهما أنه لم يطعنه ولم يكن له الوقت للرد، حيث قال إنه كان جالسا في كرسي والطبيب يوخز سكين مطبخ في جسده، ففضل الفرار بجلدته إلى خارج المكتب، وطلب من الشرطيين استنطاق الممرض الحاضر. ولدى وصول المشتبه فيه إلى مكتب وكيل الجمهورية أعاد سرد القضية من بدايتها، حيث قال إنه مع بداية الفترة الصباحية شعر بنوع من التعب والألم في الرأس، فتوجه إلى العيادة لاستشارة الطبيب الذي وجده واقفا عند الباب ودخلا سويا بشكل عادي رغم علامات القلق والغضب التي كانت بادية على وجه الطبيب. وأثناء تبادل أطراف الحديث استفسره “الطبيب” عن أسباب النميمة والتشهير به أمام الآخرين في أمور لا تهمه، وقال “ب.لخضر”، الذي لم يكن يتوقع– حسبه- تلك “الوثبة” الشرسة من الطبيب، حيث بقي جالسا في كرسيه حتى انقض عليه وفاجأه بعدة طعنات في جسمه بسكين مطبخ ليفر مسرعا من المكتب للنجاة بجلدته، خاصة أن الطبيب كان في حالة هيجان شديدة أو ما يشبه نوبة عصبية حادة، تبعه الممرض الذي لم يكن له الوقت للفصل بينهما وساعده للوصول إلى سيارة الإسعاف، وبعدها أغمي عليه ولم يعرف تبعات الحادثة. وكيل الجمهورية أقنع المشتبه فيه بضرورة قبول فكرة دخول السجن كإجراء احتياطي قانوني وأمني، وذلك للحفاظ على حياته الشخصية من احتمال انتقام عائلي. من جهتها، غرفة الاتهام وبعد استلامها للملف في 20 ماي 2009 حررت تقريرا للإحالة يتضمن توجيه التهمة ل«ب. لخضر” وفحواها “الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها”، وشرع الجميع بعدها في إجراء التحقيقات اللازمة والتي تتطلبها المحاكمة، حيث أعد الطبيب الشرعي تقريرا جاء فيه أن جميع الطعنات التي تعرض لها الطبيب ممركزة في منطقة واحدة، وهي محيط القلب، وغياب علامات المقاومة أو الدفاع من جانب المقتول، وهو ما يدعم احتمال أول بالانتحار بإقدام الطبيب على غرس الطعنات في جسمه، بينما الاحتمال الثاني، والذي يناقض الأول، فهو يشير إلى وجود أربع طعنات عميقة موجهة أسفل الجسم. ومن جانب آخر، جاء في التحقيق الاجتماعي أن المدعو “ب.لخضر” معروف في وسطه الاجتماعي بحسن الخلق والسيرة الطيبة، مثله مثل الطبيب المقتول وله طرق معاملة مثالية في وسطه المهني والعائلي. ومن جهتها، قررت عائلة “ب.لخضر” إجراء اختبارات الحمض النووي على نفقاتها، والتي تحصلت عليها بعد شهرين من طلبها من المخبر المتخصص بالمدرسة العليا للشرطة بشاطوناف بالعاصمة، والتي تضمنت أن بقع الدم التي أخذت من جسم وثياب الطبيب ليست للمتهم، وأن بقع الدم التي أخذت من جسم وثياب المتهم ليست للضحية، كما أن السكين الذي عثر عليه في يد الضحية لا يتضمن أي بصمات للمشتبه فيه.
حملة تضامنية لفائدة “ب. لخضر” العائلة تراسل الرئيس بوتفليقة وتنتظر إعادة فتح الملف اضطرت عائلة “ب.لخضر”، التي لم تتقبل حكم المحكمة، إلى مراسلة رئيس الجمهورية لمساعدتها من أجل فتح الملف وإعادة المحاكمة، وهو الأمر الذي رفضته العدالة مرارا، لكن أمل العائلة معلق في مراسلة مصالح رئيس الجمهورية التي تتمنى إعادة فتح الملف لإقناع العائلة بعدالة الحكم الذي سلط على ابنها. وبالنسبة لأفراد العائلة، فإن هيئة المحكمة أصدرت حكما وسطا بسبب الشكوك التي تضمنها الملف، مثل نتائج الخبرات العلمية والحمض النووي والشهود وتقرير الخبرة الطبية الذي يتضمن احتمال انتحار الطبيب وغيرها، إلى جانب محتوى التحقيق الاجتماعي الذي أبرز أن المتهم والضحية أصدقاء وزملاء عمل، وأنهما يتحليان بأخلاق حميدة وصاحبي سيرة طيبة ويعاملان الناس معاملة حسنة. من جهة أخرى، تريد عائلة المشتبه فيه أن يفتح الملف الصحي للضحية للتأكد من تعرضه لنوبات عصبية، خاصة مع تصريح المتهم بأن الضحية كان في حالة عصبية جدا لما فتح نقاش حول ما سماه بالنميمة وتشويه السمعة وغيرها، وتسعى العائلة لتِؤكد بكل ما أوتيت من قوة أن الطبيب انتحر ولم يقتل وأن ابنها بريء من دم صديقه وزميله لسنوات طويلة في المؤسسة نفسها. قررت العائلة، بالموازاة مع المطالبة بفتح الملف وإعادة المحاكمة، تدعيم مسعاها بحملة تضامنية يشارك فيها العشرات من أصدقاء وزملاء ومعارف المتهم القابع في السجن بسبب جريمة لم يرتكبها- حسب العائلة-، حيث شرع العشرات من نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي في إعداد قوائم وتوقيعات للمطالبة بفتح الملف وإعادة المحاكمة على أمل أن تنتزع براءة المتهم وتعيد إليه حريته وإخراجه من السجن حيث قضى نصف العقوبة في انتظار النصف الآخر. كما نشطت العائلة رفقة هيئة الدفاع عدة ندوات صحفية للتأكيد للرأي العام أن ابنها القابع في السجن للعام الخامس على التوالي بريء من التهمة التي ألصقت به، وتطلب من الجميع مساعدتها للوصول إلى إعادة المحاكمة. يوم المحاكمة.. الكل ينتظر البراءة.. والمحكمة تدين المتهم بعشر سنوات سجنا نافذا يوم المحاكمة كان مشهودا.. التاريخ: 9 مارس 2010.. المناسبة: الدورة الأولى لمحكمة الجنايات. القاعة الكبيرة امتلأت منذ الساعات الأولى من الصبيحة بزملاء وأصدقاء المتهم والضحية، وكان الجميع بمن في ذلك أفراد عائلة الطبيب المقتول، ينتظرون الإفراج عن “ب.لخضر”، خاصة بعد وصول نتائج اختبارات الحمض النووي، لكن الصدمة كانت كبيرة لما سمع الجميع قرار الإحالة الذي تلاه عون القضاء، والذي تضمن أنه بتاريخ 08 ديسمبر 2009 كانت غرفة الاتهام قد قررت تعديل التهمة الموجهة للمشتبه فيه، والتي أصبحت “الضرب والجرح العمدي المفضي إلى الوفاة قصد إحداثها”، وهنا فهم الجميع أن المحكمة حسمت الأمر بتحطيم آمال العائلة ببراءة ابنها. حاول دفاع المتهم تسخير جميع أسلحته للحد من الأضرار، لكن دون جدوى، وهو ما جعل العائلة تتساءل عن دواعي إحجام هيئة المحكمة عن الاستجابة لطلبات الدفاع والعائلة المتمثلة في الاستماع للشهود الذين حضر منهم 21 شاهدا كلهم لصالح المتهم، وكذلك نتائج الخبرة الطبية، حيث اعتمدت المحكمة على الاحتمال الثاني وأهملت الأول الذي كان لصالح المتهم، وحتى نتائج الخبرة العلمية التي تدعم براءة المتهم. وما لم تتقبله العائلة، التي استسلمت في البداية للأمر الواقع هو رفض المحكمة حضور الطبيب الشرعي، رغم موافقة المجلس ليشرح تركيبة القلب وتأكيد احتمال فرضية وقوع الانتحار. بعد المداولات عادت هيئة المحكمة لتؤكد تهمة القتل العمدي، وتصدر حكمها بإدانة المتهم بعشر سنوات سجنا نافذا قضى منها إلى غاية اليوم نصفها، في انتظار ما ستسفر عنه مجهودات ومساعي العائلة. المحامي “م. جمال”: “الشك غالبا في صالح المتهم” أوضح المحامي “م. جمال” أنه ليس طرفا في هيئة دفاع المتهم محل الذكر، ولكنه يؤكد أن المحكمة تعمل في غالب الأحيان وفق مبدأ ينص على أن “الشك لصالح المتهم”، وحسبه، فإن هيئة الجنايات مكونة من خمسة أعضاء يجيبون على مجموعة من الأسئلة خلال المداولات، وفي الغالب يواجهون مسائل صعبة مثل هذه القضية، ورفض وصف الحكم ب”الوسطي” مثل ما تقول العائلة، لأن الجنايات تقوم على أساس القرائن والدلائل. وقال إنه في كثير من القضايا التي تكفل بها كان دائما الشك في صالح المتهم. ويبقى السؤال المطروح “ما الذي حال دون استفادة “ب. لخضر” من هذا الشك؟