إذا فشت الرّشوة في مجتمع من المجتمعات فلا شكّ أنّه مجتمع فاسد، محكوم عليه بالعواقب الوخيمة، وبالهلاك المحقّق. الرشوة عرّفها العالم اللّغوي الجرجاني بقوله: ”أنّها ما يعطى لإبطال حقّ، أو إحقاق باطل، وعرّفها آخر بأنّها اسم للمال الّذي يقصد به التوصّل إلى المهدى إليه، وقال صاحب المصباح المنير بأنّها ما يعطيه الشّخص إلى الحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد، وعرّفها ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي: بأنّها كلّ مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونًا على ما لا يجوز، وعرّفها العلاّمة القرافي بأنّها: الأخذ للحكم بغير الحقّ أو لإيقاف الحكم، وعرّفها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: بأنّها ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه، وعرّفها غيرهم: بأنّها ما يبذل له ليحكم بغير الحقّ أو ليمتنع من الحكم بالحقّ. ويلاحظ على هذه التّعريفات أنّها تدور على معنى مشترك، هو أخذ المال مقابل عمل محرَّم. والرّشوة مرادفة للسّحت وهو الحرام أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار؛ سمّي بذلك لأنّه يسحت البركة ويذهبها. لقد تحمّل الإنسان الأمانة الّتي عرضت على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، والواجب على هذا الإنسان أن يؤدّي الأمانة على الوجه الأكمل المطلوب منه لينال بذلك رضا الله تعالى وإصلاح المجتمع، أمّا إذا ضيّعَت الأمانة ففي ذلك فساد المجتمع واختلال نظامه وتفكّك عراه وأواصره. وإنّ من حماية الله تعالى لهذه الأمانة أن حرّم على عباده كلّ ما يكون سببًا لضياعها أو نقصها؛ فحرّم الله الرّشوة وهي: بذل المال للتوصّل به إلى باطل، إمّا بإعطاء الباذل ما ليس من حقّه، أو بإعفائه من حقّ واجب عليه، يقول الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة:188. ويقول الله تعالى في ذمّ اليهود: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} المائدة:42. وقد عَدّ بعض العلماء الرّشوة من الكبائر خاصة إذا كانت على الحكم، وممّا يدلّ على أنّ الرّشوة من الكبائر ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ”لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرّاشي والمُرتشي”. واللعن لا يكون إلّا على ذنب عظيم ومنكر كبير. ولجريمة الرّشوة آثارًا خطيرة وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، منها: توسيد الأمر لغير أهله، وتدمير المبادئ والأخلاق الكريمة، وإهدار الأموال وتعريض الأنفس للخطر. وقد يتحايل البعض في تسمية الرّشوة بمسمّيات مختلفة كالهدية مثلاً، إلاّ أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ الرّشوة والهدية قد يشتبهان في الصّورة لكن الفرق الرئيس بينهما هو في القصد والباعث على كلّ منهما حيث قصد الْمُهْدِي في الأساس استجلاب المودّة والمعرفة والإحسان. وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّ أخذ الحاكم للهدية هو نوع من الرّشوة. أمّا السُّبل الكفيلة للقضاء أو التّخفيف من هذه الظّاهرة المرضية في المجتمع واستئصالها، تتمثّل في: ضرورة صدور قرار حقيقي من السّلطة السّياسية لمكافحة جريمة الرّشوة، وضرورة تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين والعاملين، وحرية النقد الدّيني والصّحافة والتّعبير والرّأي وذلك لممارسة دورهم الرّقابي لكشف مواطن الفساد والرّشوة من خلال أجهزة تشريعية تعمل ضمن ضوابط شرعية صارمة، إلى جانب ضرورة تحقيق مبدأ استقلالية القضاء والعمل على توفير البيئة المناسبة للقضاة بما يضمن استقلالهم وحيادهم. بالإضافة إلى الرّقابة الفعّالة على الموظفين، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتطبيق مبدأ الثّواب والعقاب، وتطبيق مبدأ من أين لك هذا، وكذلك تحسين الوضع الاقتصادي للموظفين، والتّوزيع العادل للدخل القومي والثّروات.