يبدو أن الصحافة المستقلة ستعرف أياما صعبة في تاريخها القريب. والسبب أنها تنتقد سياسة قطر، وتتهمها مثلما تفعل بعض البلدان الغربية بتهم من نوع تمويل الإرهاب، وتعبئة الرأي العام العربي ضد حكامه... الخ. وبحكم أن قطر، ذلك البلد الصغير الذي أصبح له شأن كبير بفضل شرائه لكل ما يتحرك، يتحكم في شركة مثل “أوريدو” التي ترضع من جيوب الجزائريين، فهو يوجه ويمنع أو يلغي تماما إعطاء الإشهار للصحف التي لا تساير سياستها، حتى لو كان النقد من باب الضرورة القصوى، أو المس بمصالح دول وأشخاص، أو حتى النصيحة بأن آثار سياستها (أي قطر) على المدى البعيد سترجع عليها مثل عجلة التاريخ الجبارة. في الظاهر تبدو دولة قطر على حق، فكيف لها أن تمد صحفًا تنتقدها بالإشهار، وهل يعقل أن تمول من يعمل على تقويض سياستها، وتوعية القرّاء بالمخاطر التي تخوضها قطر ضد دول شقيقة وصديقة؟ من يعطي ماله لخصمه كي يستأسد عليه. لكن في الجوهر لا يوجه النقد لدولة قطر، وإنما لدويلة الجزائر التي أصبح كل من هب ودب يتدخل في سياستها الداخلية، ويفرض قراره على سيادتها وشعبها، ويتحكم في مؤسسات دفع الجزائريون دمهم من أجل تمكينها وحمايتها، لأن مصالحهم العليا تقتضي ذلك؟ هذا الهوان الذي لحق الجزائر وشرفها وعزتها وكرامتها، لم يقتصر على فرض دول كبرى إرادتها على المتسلطين علينا، من أجل حمايتهم وتكريسهم في السلطة رغم أنف الجزائريين، ولم يقتصر على فرنسا التي تعتبر الجزائر مزرعة خاصة تربي فيها الماعز الشقي، وتأمر الرعاة بتعلم هش الغنم، بل أصبحت دول من نوع قطر ومصر وليبيا و.. لا ترعى لبلدنا حرمة الأخوة ولا التاريخ المشترك ولا يدنا البيضاء عليها.. وفي المحصلة يطرح السؤال نفسه: من يا ترى تحركه يد أجنبية؟ هؤلاء المتسلطون علينا أم المعتصمون في عين صالح والمضربون في قطاع التربية؟ على كلٍّ قدر الصحافة المستقلة أن تكون دائما هي كبش الفداء، فخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، عانت من ابتزاز المخابرات لها وتهديدها بقطع الرزق عنها، من أجل أن تدخلها في صف بوتفليقة، رغم انهيارات التاريخ حول الجزائر جراء سياسة العبث التي انتهجها ودمر بها ماضي ومستقبل الجزائريين، وقد نفذ ذلك المرحوم (سياسيا) أحمد أويحيى بمنع الصحف المستقلة من الإشهار الحكومي، وممارسة الابتزاز عليها، واعتبار أن الحكومة لا تمول من ينتقد سياستها.. واليوم تجد هذه الصحافة، وهي آخر رمز من رموز الديمقراطية التي لم تستطع يد بوتفليقة أن تدمرها، تجد نفسها في مواجهة قوى أخرى، هذه المرة أجنبية، لمنع الإشهار عنها، أو فرض سياسة الأمر الواقع عليها. وغدا ربما تحذو الشركات الفرنسية حذو هذه الشركة القطرية، لأن سياسة فرنسا متعسفة في حق الجزائريين، ولا تستطيع الصحافة المستقلة أن تكذب في مثل هذه الوقائع، وبالتالي عليها أن تدفع الثم... غير أن الثمن الباهظ والملموس سيدفعه الشعب الجزائري حين يعرف أن الذين يجرونه من رقبته إلى الجزار، هو الذي يدفع لهم من جيبه وخزينته كي يستأسدوا عليه، ويسومونه سوء التقدير، ويتصرفون في مصالحه كما يتصرف الراعي مع الماعز الشقي. وقد حدث ذلك من قبل، حسب بعض الخبراء، فقد فرضت العهدة الرابعة على الشعب الجزائري رغم الدمار الشنيع الذي لحق به جراء سياسة الفساد والقبضة الحديدية، مقابل القبول بوضع سيادة الجزائر وشرف الشعب الجزائري بين أيد أجنبية، حتى ولو كان الغاز الصخري مثلا هو مهر العروس ومأتم أهل العريس..