ماذا يفعل المدنيون الذين هم في السلطة؟ غرداية لم تكن الأولى. وتطورات أحداث عين صالح تعيدنا إلى نقطة البداية، والتساؤل عن قدرة السياسي في إدارة النزاعات الداخلية. فهل الأمر مرتبط بالقدرات والإمكانات، أم المقصود هو الوصول إلى نقطة وضع المؤسسة العسكرية في المقدمة، كدرع وكمفتاح؟ عمليا، سيجد معارضو الغاز الصخري الجيش أمامهم، بعدما تم تكليفه بمهام حفظ الأمن في عين صالح. وتحرك المعارضة، من خلال التنسيقية الوطنية لدعم مطالب الجمعيات المعارضة للغاز الصخري، يضعها في موقع التعامل مع الجيش. مرت سنة على بداية العهدة الرابعة. ففي مثل هذا اليوم من العام الماضي، كان رجال الرئيس يجوبون المدن والولايات، القرى والمداشر، وقاعات التحرير، وبلاطوهات قنوات تلفزيونية غير معتمدة، مبشرين بعهدة جديدة، ستحمل كل الخير للبلاد. فماذا نلاحظه اليوم؟ دبلوماسيا، عادت الحركة إلى هذا الجزء الاستراتيجي من الدولة، بعد سنوات من التيه. بعد مرض الرئيس، كان واجبا حل معضلة تمثيل الدولة خارجيا، وجاءت فكرة اقتراح محترف في هذا المنصب، ونجح رمطان لعمامرة إلى حد بعيد في توجيه السفينة. لكن داخليا، ماذا يتحقق من وعود الرئيس؟ طيلة هذه الفترة، تعددت وجوه الغضب الاجتماعي. وبمثله، تنوع رد فعل الحكومة بين أمرين: الأول، تصغير مضمون مطالب المحتجين. وثانيا، استخدام قوات مكافحة الشغب في مهمات تفريق المعارضة، بمنعها من مجرد عقد تجمعات أو ندوات ومحاضرات داخل قاعة! ما يجعل الرئيس في عامه الأول من عهدته الرابعة، يصل الى أدنى مستوى من الاحترام للمعارضة، ولحق الآخر في التعبير عن الرأي. فمن قبل، كانت الحكومة تتحجج بقانون الطوارئ، حين ترفض منح ترخيص لمسيرة أو لعقد ندوة. والآن، عندما ترفض للمعارضة حقا دستوريا، لا تكلف نفسها تفسير “الأسباب”، وهو ما يميز أداءها من ناحية الاتصال الذي بلغ مستويات مخزية. ليس فقط سياسة الاتصال هي من يعاني من البدائية، فالخطاب الرسمي تميّز بتناقضات، وعندما يعجز عن استيعاب مطالب محيطه، يلجأ إلى حيلة استخدام تهمة “الخيانة” ضد المعارضين، فهي لا تكلفه الكثير، ويشعر بأنه يضمن حوله مشاعر التعاطف من قبل أجزاء من الرأي العام، فالخيانة هي خير دفاع لمن ليس له حجة يدافع بها عن رأي. فماذا يفعل المدنيون في السلطة وبالسلطة، إذا كان أسلوبهم يطبعه الخيار الأمني؟ خطوة واحدة، وقرار بالخروج إلى الشارع، وتجد المعارضة نفسها أمام الجيش في عين صالح. الحديث عن دستور دولة مدنية لا يتوافق مع اللجوء المفرط إلى العضلات لحل تناقضات وخلافات في الأفكار والمبادئ. وأكثر ما يبرز من مشروع التغيير الذي لا يعلم عنه أي شيء حتى شركاء الحكم، هي قفازات الملاكمة. السلطة تضرب وتنطح حين تسبقها الأحداث، وغالبا ما تسبقها الأحداث. هي لا تحاور ولا تناقش. وإن ادعت عكس ذلك، نسفت الجسر قبل قطع أولى مسافات التقارب، بتفعيل ورقة الخطوط الحمراء الواجب احترامها مسبقا، وهي عبارة عن شروط تجعل من أي نقاش مقطوعا مسبقا. مرّت سنين، ومرّت عقود، وتعاقبت أجيال، والسلطة على اختلاف طبوعها، تغني موال التطهير.. من الفساد، ومن الظلم، ومن سوء التسيير، ومن التبذير. فكيف يطهر من هو في حاجة إلى تطهير؟!