في ثمانينيات القرن الماضي “قاومت” الدراجة النارية “ڤالمة” الدراجات الأوروبية، سيما “بيجو 103” و “بيش”، كما قاومت الدراجة الهوائية جزائرية الصنع والجنسية نظيراتها الغربية.. وشاءت الأقدار أن تبقى “حفيدة” مفخرة الصناعة الجزائرية، أو ما تبقى منها، “سوناكوم” في خانة “المقاومة”، وهي الدراجة التي تحاول، بقدر ما أوتيت من قوة، مقاومة المنتوج الصيني، الذي غزا السوق الوطنية، بل وتغلب “الصيني” حتى على الدراجات الأوروبية. قاومت المنتوج الأوروبي والصيني منذ ثمانينيات القرن الماضي “ڤالمة”، التي أضحت عنوانا للمقاومة، هي اليوم تسيل “لعاب” أشباه المستثمرين من الجوارح التي تسارع في الانقضاض على فرائسها “الجيفة”، ولأن مصنع الدراجات النارية والدراجات الهوائية الذي يحمل تسمية “سيكما” بعد مخططات إعادة هيكلة المؤسسات العمومية يوظّف نسبة كبيرة من الڤالميين، ولأنه يحمل اسم المدينة والولاية (ڤالمة) على الأقل في الذاكرة الشعبية، فإن هؤلاء العمال، أو ما تبقى منهم، يؤكدون أنهم يرفضون “بيع” آخر “قلاع الرجولة في الصناعة الجزائرية”، ومستعدون لأي شراكة تأتي بالخير للبلاد وللعباد. من “كالاما” إلى “ياو عليكم الڤالمة” للمخضرم عمار العسكري، صاحب “دورية نحو الشرق”، إلى “فيلو” و“سيامجي ڤالمة”، التصقت يوميات الڤالميين ومن بعدهم كافة الجزائريين، الذين من بينهم العم “سي العياشي”، الذي قضى عمره بين أروقة وأقسام هذا المركب، وكان شاهدا على تحولات دراماتيكية جعلته يتأجل ببطء إلى أن غزا الصدأ هياكله محولا إياه إلى كتلة من “الفيراي”. من لا يعرف “موطو سيامجي”؟ كل من عايشوا الفترة الذهبية لهذه الدراجة النارية الجزائرية، وحتى عند الجوار الجنوبي، كانت هذه الدراجة ذات التكنولوجيا الألمانية تحتكر شهرة أقل ما يقال عنها إنها أسطورية.. لقد صارت ڤالمة بهذه المركبة الخفيفة عنوان فخر للڤالميين وللصناعة الوطنية. كانت مدن ودواوير ڤالمة تعيش من هذا المصنع.. وكان المنتسبون إليه لا يجدون حرجا في الحديث عن أنفسهم وما تصنعه أيديهم رغم سياسة الهدم المبرمج لهذا المكسب الاقتصادي. الڤالميون يتهمون خلفاء الراحل هواري بومدين بنقض العهود، لأنهم قرروا محو كل ما يرمز لحكمه! هؤلاء استفاقوا ذات يوم من العام 1990 على نبأ صدور قرار إعادة الهيكلة التي كانت إشارة لرحيل آلاف العمال والمهندسين.. ومن بينهم العم “سي العياشي” وشقيقه الأصغر “لخضر”، رغم محاولات بعض الدوائر النافذة في السلطة الاستحواذ على هذا الصرح الصناعي النائم، بعناوين الشراكة مع الصينيين تارة ومع الألمان تارة أخرى.. شيء لم يتحقق بعد. عادت “الخبر” مرة أخرى إلى مصنع الدراجات والدراجات النارية والتطبيقات “سيكما” بڤالمة، للوقوف على حالة المؤسسة، وربما لطمأنة المواطن “الڤالمي”، والجزائري عموما، بأن المؤسسة العمومية الاقتصادية التي شيّدت تحت مسمى “سوناكوم” في السبعينيات مازالت “تتنفس”، رغم الخسائر التي تكبدتها منذ نهاية التسعينيات، منها اليد العاملة التي كانت تقدر ب1500 وانحسار الرقم اليوم في 200 عامل، وتوقف الإنتاج على فترات بوحداتها، وعدم كفاية الأجر الذي يتحصل عليه عمالها لقضاء شهر بكامله، وما راج مؤخرا عن فتح رأسمالها للخواص وبيعها ب«أبخس الأثمان”، وهذا يتعارض ومكانة المؤسسة، والعلامة “سوناكوم” التي طبعت في الذاكرة الجماعية، وحفظت معها “هوية” الولاية لما يقارب نصف قرن من الزمن، لذلك أطلق مسؤولوها نداء استغاثة للبحث اليوم عن من يدعهما “تكنولوجيا”، ويضيف إشارة لها في بطاقتها التعريفية تتحدى بها السوق العالمية التنافسية، والتي تحاول التموقع فيها رغم أن شعارها واضح “البقاء للأقوى”، وهو ما حصل مع الشريك الذي خسرته “بي أم دوبل في”، وضيعت معه فرصة الحصول على دعم معنوي ومادي، وتركيب دراجات نارية عاملة على الطرق السيارة تساعد المروحيات التابعة للدرك والشرطة على تأدية مهامها. من “سوناكوم” إلى “سيكما”.. تجربة بين إثبات الوجود وعدم القدرة على التوازن بالعودة لتاريخ المؤسسة العمومية الاقتصادية، تشير مصادر إلى أن شركة “سوناكوم” (الشركة الوطنية لصناعة الآلات الميكانيكية) المنشأة عام 1967 اتفقت مع شركة ألمانية (من ألمانيا الاتحادية) على إنشاء المركّب الصناعي على أرضية مساحتها 13500 متر مربع في 24 جانفي 1970 برأسمال قدره 2.809.500 دج، عن طريق الإنتاج اليدوي الذي بدأ في سنة 1974 وكان مقره آنذاك بوهران والمديرية العامة بأرزيو. وفي جانفي عام 1984 قامت الحكومة بتقسيم وتفريع شركة “سوناكوم” إلى 11 مؤسسة لكل واحدة إنتاج خاص بها، وكان مركّب الدراجات النارية تابعا لمؤسسة إنتاج وسائل النقل الخاصة والموجودة بولاية تيارت تحت إشراف المديرية العامة ببئر الخادم بالعاصمة. كل هذه العمليات تم الشروع في تطبيقها بعد مصادقة الحكومة عليها، وفي 22 ديسمبر 1987 حوّل مقر مؤسسة الدراجات النارية وتطبيقها إلى ولاية ڤالمة، تنفيذا للمرسوم الحكومي رقم 87- 282، حيث أدخلت تعديلات على منتوجها من خلال إشراف ومساعدة عدة مهندسين وتقنيين بمختلف التخصصات، وهو ما ساعد على زيادة نشاطها، من خلال قيامها بعمليات: الإنتاج، التجارة، التصدير، الاستيراد والبيع وخدمات ما بعد البيع لمختلف السلع. تظهر أهمية مركّب “سيكما” وفقا لرؤية الاقتصاديين من خلال طاقتها الصناعية والتجارية، التي يجسدها المركّب الصناعي الكائن بمدينة ڤالمة، وثلاث وحدات تجارية، حيث يعتبر المركّب الإنتاجي أكبر ورشة على المستوى الوطني ثبتت في ولاية ڤالمة، تكفلت بإنتاج الدراجات والدراجات النارية. وتحفظ سجلات المؤسسة ومسؤوليها الرقم الضخم لعدد العمال الذين ضمن لهم المركّب فرصة عمل عند انطلاقته في الإنتاج رسميا سنة 1974، حيث وصل الرقم إلى حوالي 1500 عامل، واستمر نشاطها بشكل تصاعدي، حيث عرفت المؤسسة سنة 1987 نشاطا مكثفا عقب التدابير المتخذة لإعادة إنعاشها، حيث سوّقت 50 ألف دراجة نارية و46 ألف دراجة، وفي سنة 1998 باعت 6 آلاف دراجة نارية و16 ألف دراجة عادية، غير أن هذا الرقم تراجع حسب إحصائيات 2006، خاصة من حيث عدد العمال الذي وصل إلى 900 عاملا، من بينهم 49 إطارا. كما جندت مؤسسة “سيكما”، التي تعد الوحيدة على مستوى التراب الوطني بإنتاج أو صناعة الدراجات والدراجات النارية وتطبيقها، لصالح عمالها وتقنييها ترسانة ضخمة من المعدات والآليات التي تعتبر “الماكينات” الأكثر تطورا في ذلك الوقت، فأدار العمال 400 آلة مكنت من بلوغ مستوى إنتاج سنوي يعادل 50.000 دراجة نارية و55.000 دراجة عادية و8.500 محرك وحوالي 16.000 من قطع الغيار، إضافة إلى دراجات منزلية رياضية وأرائك متحركة وحمالات والدراجات لذوي الاحتياجات الخاصة، يتوزع فيها العمال بين ست ورشات، لكل منها وظيفة إنتاجية مثل الحدادة والسباكة والمعالجة الحرارية وورشة للتقطيع والتلحيم، وأخرى تخص الثقب والتجويف والتفريز، وورشة المخرط التلقائي والمخرط نصف التلقائي والمخرط المرقم، وورشة للتنظيف والتحليل الكهربائي والصقل والصباغة، وكذا التركيب بأنواعه والتصليح، كما عمل المركّب بنظام توزيع متزن عبر التراب الوطني متكون من 4 وحدات تجارية، وخصص نقطتي بيع وشبكة ثانوية بأزيد من 300 عنوان معتمد. مرحلة التسعينيات.. بداية مرض “العملاق” غير أن نهاية التسعينيات حملت بوادر ضعف المؤسسة وأدخلتها في أزمة حقيقية استمرت تداعياتها لليوم، حيث بدأت الانتكاسة تتجلى في تراجع منتوجها وتسريح عشرات العمال، متأثرة بالانفتاح الاقتصادي الذي عرفته الجزائر ودخول منتجات دولية للسوق الوطنية، وأصبحت “سيكما” التي كانت مضرب المثل عاجزة عن مواجهة سوق أكثر تحررا في السعر وأكثر جودة من حيث المنتوج، وأصبحت المنتجات التي كانت حتى وقت قريب محل اهتمام المواطنين والمؤسسات العمومية غير قادرة على إغرائهم وتلبية متطلباتهم، حيث ذكر مدير المؤسسة، رشيد بن سليم، والذي يتولى تسييرها منذ حوالي تسع سنوات، أنها مرت بأزمة عمرها 20 سنة، ولا يمكن تجاوزها في سنتين. مرض 20 سنة لا يعالج في أسبوع أدرك القائمون على مركّب “سيكما” أن لكل وقت معيار تطور ويجب مجاراته، وهو ما جعل المؤسسة تراهن اليوم على كسب شريك يضمن لها الخبرة التقنية التكنولوجية عالية المستوى، وفي الوقت نفسه عبّر القائمون عليها عن نيتهم في الحفاظ على رأسمال “ڤالمة” والجزائر عموما. ونفى مدير المركّب، بن سليم، بشكل تام أية محاولة لبيع المصنع، وقال إن هناك مخططات موضوعة منذ مدة لإدخال تعديلات عليه، وهو يقودنا في الجولة لمختلف الورشات يؤكد مرة أخرى على أن المصنع والعاملين فيه ليست لديهم أي نوايا للعبث بمصير عشرات العائلات، أو بمصير اقتصاد الولاية، غير أن المؤسسة تواجه عدة تحديات. يتمثل اليوم الرهان الأساسي للمؤسسة، حسب المدير، في أن المصنع بحاجة إلى شراكة، وهو مطلب يتوافق وقانون الاستثمار الذي يشجع على ذلك، سواء بين الخواص أو القطاع العام، لكنها شراكة “نوعية” بالنظر إلى ما قاله: “نحن نتطلع إلى شراكة تجلب لنا التكنولوجيا، ولسنا بحاجة إلى المال أو العتاد أو الهيكل أو العمال، بل إلى التكنولوجيا لتطوير المصنع، ورغم التعديلات التي دخلت على المنتوج والقفزة التي تحققت وتمكننا من تجاوز الأزمة التي كان يعانيها المصنع قبل سنوات، لكن هذا وحده غير كاف، ولا نستطيع منافسة المنتوج الأجنبي”. كما يتطلع القائمون على المركّب، من خلال توقيع الاتفاق، أن يحظى العمال بدورات تكوينية وهو الشرط الأساسي لاستمرارية المؤسسة، بالنظر إلى ما تعانيه من نقص الخبرة العالمية، حيث بقي المصنع لسنوات طويلة يعتمد على يد عاملة محدودة التأهيل، عدا بعض العناصر في الجانب التقني والبرمجة. يأتي بعد ذلك، حسب مدير المركّب، الرهان التالي والمتمثل في كيفية توسيع دائرة الزبائن، والتوجه إلى الجمهور العام، وتوسيع الفئات وتنويعها، حيث إنه في سنة 2014 تم تصنيع 2000 قطعة من الدراجات ذات ثلاث عجلات، والتي تم تسويقها عن طريق ديوان المعاقين، وفي السنة الجارية هناك مخطط جديد للعمل وتنويع المنتوج وإدخال تعديلات عليه، وكذا طرح منتوج آخر جديد في السوق الوطنية من خلال صناعة 4 أنواع جديدة من الدراجات، وحاليا المصنع بصدد طرح دراجة “سكوتير” في السوق، حيث يقوم المهندسون والتقنيون بإجراء دراسة حول عينة منها لإجراء التجارب على جاهزيتها لدخول السوق، وهو النموذج الذي وقفت عليه “الخبر” من خلال الجولة التي قادنا فيها المدير رفقة ممثل العمال والمهندس للاطّلاع على وضعية المركّب والتعرف على المنتوج الجديد الذي هو بصدد دخول السوق الجزائرية. قال بن سليم، ونحن نتجول بين مختلف الورشات التي يتوفر عليها المصنع الذي يمتد على مساحة معتبرة تقدر ب138 ألف متر مربع، وتوقف عند أحد الماكينات الخاصة بصناعة “البراغي” من خلال عملية تحويل لقطع الحديد، إن المادة الأولية التي تحتاجها عملية الإنتاج متوفرة وهي “جزائرية” مائة بالمائة، حيث يتم على مستوى الورشات بالمركّب تحويل قطع الحديد التي يتم جلبها من مصنع الحجار واستغلالها في تركيب العديد من الأجزاء للدراجات، ويبقى- حسبه-البلاستيك الذي يمثل الواقي للدراجة الذي يتم اقتناؤه من السوق وهو من صنع أجنبي، ورأى أن تكلفته أقل مقارنة بعملية تصنيعه. وقال المصدر ذاته “لا يمكننا الاستثمار في صناعة هذه المادة البلاستيكية التي ستكون مكلفة للغاية، حيث إن الأمر يتطلب منا إنتاج 100 ألف قطعة حتى تظهر الفائدة المحققة، في حين يمكننا جلبها من بلدان آسيوية بأقل تكلفة”. ويعود دائما المدير ليؤكد على أن المصنع لا يريد أن يضيع الوقت أكثر، فهو في حالة ترقب شديد لشريك يمكنه أن يعين المصنع على التقدم أحسن، وحجته في ذلك أن المركّب في الوقت الحالي تمكّن من تجاوز العقبات التي كادت أن تعصف به خلال السنوات الماضية. 340 مليار ديون! وكانت المؤسسة، بحسب التقارير السابقة، سجلت ديونا وصلت قيمتها إلى 340 مليار سنتيم، والتي شكلت عامل تهديد لها بالإفلاس، منها ديون لدى مؤسسة سونلغاز والضرائب والضمان الاجتماعي، وهذا ما جعل المؤسسة حينها عاجزة عن تسديد مرتّبات العمال لأشهر متتابعة، وقد استدعى إنقاذها حينها تقديم ملف للوصاية ودراسته بعد اتخاذ ضمانات من قِبل وزارتي الصناعة والمالية، حيث تم رهن المؤسسة وممتلكاتها لتحصل خلال شهر جوان 2012 على قروض لتسديد ديونها، بالإضافة إلى قرض للاستثمار في منتجات تسوّق على مستوى الجزائر. وقال بن سليم بنبرة تفاؤل: “لقد تجاوزنا كل المشاكل السابقة. كلها ذهبت، واليوم بالمصنع 200 عامل، ويعتبر الرقم قليلا، ولكننا نطمح في حال تحسنت الظروف وحققنا الشراكة أن يصل الرقم إلى 500 عامل، وهذا بالنظر إلى مؤشرات ملموسة تسجل حالة من التحسن منذ سنة 2012، وهو ما شجع على مواصلة تحسين الوضع والرغبة في تطوير المنتوج أكثر وتنويعه”. الشراكة مع “بي أم دوبل في” وضياع “الحلم الألماني” اعتبر مهتمون بشأن مصنع “سيكما” بڤالمة أن الفرصة التي كنت قائمة منذ حوالي سنة 2012 لإطلاق عقد شراكة مع عملاق الصناعة الألماني “بي أم دوبل في” كانت بمثابة الخطوة “الجيدة” التي ستعيد الروح للمصنع “الميت”، وهذا بعد أن كاد العمال والقائمون على المؤسسة يفقدون الأمل نهائيا في عودته للنشاط، وتسبب ذلك في تقديم مطالب لتسديد الأجور ودفع الديون من عدة جهات زادت الخناق على الإدارة، ودخلت حينها إدارة المؤسسة ومن ورائها جهات نافذة في أعلى هرم السلطة في مفاوضات “ماراطونية” مع الألمان، قدموا خلالها جملة من المغريات المادية للطرف “شريك المستقبل”، قوامها المساحة الشاسعة للمؤسسة، موقعها الإستراتيجي (عند مدخل بلدية ڤالمة)، شبكة النقل البرية، ومشروع السكة الحديدية الذي سيبعث من بوشقوف ليمر بالقرب من المركّب، وقربها من مدينة عنابة (65 كلم) لتسهيل ظروف النقل الجوي والبحري، وكذلك توفر المادة الأولية من مصنع الحجار، وحد أدنى من اليد العاملة القابلة لاكتساب الخبرة ومسايرة التطور التكنولوجي. وفقا لما تحدثت عنه مصادر في وقت سابق، فإنه بتاريخ 12 سبتمبر من سنة 2012 جرت مباحثات بين وزارة الدفاع الوطني والشركة الألمانية العملاقة لتوفير وحدات من الدراجات النارية التي ستستعمل لدى قوات الدرك والشرطة، وكذا دراجات نارية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد كانت نية الشريك تدور حول إحداث تحول في نشاط المؤسسة، فكانت الانطباعات الأولى لقرار الشراكة الذي ترقبته مختلف الأطراف تحمل عناصر إيجابية كثيرة وبشائر خير للمؤسسة والولاية، وكذا تحقيق إضافة في الاقتصاد الوطني، والأهم من ذلك هو الصفقات المربحة التي ستعود بالنفع المادي في حال دخلت الرؤية حيز التجسيد، بتوفير دراجات “ممتازة” وبسرعة فائقة تعين عناصر الدرك والشرطة في أداء مهامهم، وخاصة على مستوى الطريق السيّار، وهذا تماشيا وما هو معمول به على النطاق العالمي، حيث تساعد الدراجات النارية تلك المروحيات في مهامها، وربما تطور الأمر لصناعة حتى سيارات لهذه الجهات، ومع ذلك لم تشفع كل النقاط الإيجابية التي راهن عليها المتفاوض الجزائري لدى نظيره الألماني، و«سقط المشروع في الماء”. المستثمر الأجنبي يبحث عن سوق لسلعه فقط راهن مصنع الدراجات والدراجات النارية بڤالمة كثيرا على تحقيق اتفاق مع الشركة الألمانية العملاقة “بي أم دوبل في”، وكان يطمح من وراء ذلك لتجاوز محنته، وكذلك لتحقيق عوائد بربط اسمه بعلامة “ألمانية”، ولكن لليوم لم تتحقق الشراكة. وقال بن سليم في إجابة عن سؤالنا حول تراجع هذا المشروع، وما إن كان ذلك له علاقة بنسبة المشاركة في رأسمال المؤسسة وفقا لقانون الاستثمار وما ينص عليه من الحفاظ على سيادة المؤسسات العمومية، بقوله إن “المستثمر أو الشريك الأجنبي غرضه الأساسي هو البحث عن سوق للسلع فقط، ولا تهمه مطلقا النسبة، فهو يطمح لبيع منتوجه، ولا ينظر مطلقا لحصته في المصنع”، ولذلك فالشركات العملاقة همها الوحيد هو خلق أسواق لها في مختلف الدول. شراكة مع مستورد للدراجات بالبرج أم بيع “سيكما”؟! عندما سألنا مدير “سيكما” عن صحة ما راج مؤخرا عن “بيع” مصنع الدراجات والدراجات النارية بڤالمة لأحد الخواص، وما خلقه هذا الخبر الذي مازال مطروحا للساعة وتلوكه الألسن، وتباينت الأنباء بشأنه وجعل دائرة التأويلات تتسع محليا ووطنيا عن استعداد الوزارة لفتح رأسمال المصنع للخواص، وما قد ينجم عنه من تداعيات على مصير 200 عامل وعائلاتهم تحديدا، وعلى مستقبل الصناعة في الولاية، الذي يعاني من قبل هشاشة كبيرة، أجاب مدير المركّب أن بيع “سيكما”، بالشكل الذي تم تداوله هنا وهناك لم يطرح مطلقا، و«كل ما في الأمر أن هناك مستثمرا في مجالات مختلفة من ولاية برج بوعريريج تقدم بطلب شراكة، والملف المطروح لدينا في الوقت الحالي هو قيد الدراسة، واللجنة المكلفة بذلك هي التي ستفصل في الأمر، ولكن ما يمكنني التأكيد عليه أننا نبحث عن شريك يمتلك التكنولوجيا ويمكنه تحقيق إدارة جيدة للمركّب. وكما سبق وذكرت، لسنا بحاجة للمال أو العتاد بل ل«الإدارة التكنولوجية”، وهذا ما تبحث عنه مختلف المؤسسات العمومية”. وكان الصراع الذي دار بين قياديين من حزب العمال ووزير الصناعة ورجال أعمال، خلال أسابيع ماضية، وكانت ساحته وسائل الإعلام، حول مصير “سيكما” وباقي المؤسسات الاقتصادية التي تعاني حالة “تشنج” منذ سنوات، طرح مخاوف كثيرة حول إمكانية أن ينتهي مصير “سيكما” ڤالمة إلى البيع، وبمجرد أن انتشر الخبر حتى أصبح الجميع يعتد بهذه التصريحات، ومن التصريحات ما قاله وزير الصناعة حينها بأن “الوزير الأول والحكومة وضعا مخططا لإنقاذ المؤسسة، وعليه استفادت من برنامج مرافقة وقرض يقدر بملياري دينار من أجل إعادة تأهيلها حتى تتمكن من استرجاع حصتها- التي فقدتها على مر سنوات- في السوق الوطنية”، ونفيه بشكل قاطع نية الوزارة فتح رأسمال الشركة لمستورد للدراجات النارية من ولاية برج بوعريريج، وتأكيده أن “سيكما” ستبقى شركة عمومية، ودعم ذلك بقوله “في الوقت الذي بدأت فيه المؤسسة تعود للسوق الوطنية من خلال إبرام عقود مع وزارة التضامن الوطني ووزارة الصيد والموارد الصيدية، وإخراج أنواع جديدة من المنتوجات، ها هو الكلام بدأ عن أننا نريد فتح رأسمال الشركة”، وأضاف أن “الشريك الذي تحدث عنه حزب العمال تقدم بطلب لعقد شراكة مع “سيكما”، لكن بعد دراسة الملف تبين أن الأمور لم تنضج بعد”، ورغم هذه التصريحات والتطمينات التي جاءت على لسان وزير الصناعة، عبد السلام بوشوارب، إلا أن المخاوف ما تزال قائمة. «سيكما” يتحدى بمنتجات جديدة يحاول “عملاق” الصناعة الوطنية، أو ما تبقى منها، “سيكما” تجاوز كل ما يروّج حوله من أقاويل تسعى لوقف مساره، وعرقلة منتوجه، بإظهار جانب قد يعكس صورة غير التي ارتسمت لدى المواطنين، وهذا من خلال التأكيد على أن على مركّب “سيكما”، ومن ورائه العمال وعائلاتهم يحرصون كل الحرص على تجاوز تبعات فترة الأزمة التي ضربت المركّب لسنوات، والتوجه لخلق منتجات تنافسية في السوق الوطنية، ثم احتلال مكانة في السوق الإقليمية. وهي الإستراتيجية التي تبنتها المؤسسة من خلال مهندسيها وتقنييها، حيث أظهرت الرؤية الحالية أن المصنع ليس مجبرا على الإبقاء على المنتوج نفسه الذي حافظ عليه طوال هذه الفترة، وهذا الوقت بالذات وهو عصر المعلوماتية والتكنولوجيات المتطورة يفرض على المؤسسة، حسب مسؤوليها، إحداث نقلة نوعية وإدخال تغييرات على نوعية المنتوج أولا. كما أن المؤسسة بما طرحته من منتجات مكّنت العلامة العمومية “سوناكوم” أن تبقى محفورة في الذاكرة الجماعية، وتعبّر عن أصالة منتجات “سيكما”، وتعكس تاريخها الطويل وهويتها، وحتى صراعها ضد الغلق والإفلاس ولو بأضرار كثيرة، تمثلت في فقدان مئات مناصب الشغل التي كانت تقدر ب1600 ولم يبق منها اليوم سوى 200 عامل، وبقي مع هذه القلة، حسب ما ذكروا، حلم البحث عن منافذ جديدة لخلق وحدات صناعية قادرة على طرح منتجات تنافسية، وهو ما يتلاءم والإستراتيجية الحالية من خلال طرح مجموعة أفكار تتماشى ورغبات فئات مختلفة، وتعبّر عن تنوع في المضامين كتطوير دراجات للمعاقين وكراس متحركة وأسرة للمستشفيات، وغيرها من المنتجات بأفكار مبتكرة. قدم المهندسون والتقنيون خلال فترة مضت معرضا متنوعا يضم عديد المنتجات التي تمكنوا من إدخالها في قائمة الوحدات المصنعة محليا، من بينها تركيب دراجة مهنية ذات مقطورة مجهزة بنظام تبريد تستعمل في نقل السمك وبيعه بالتجزئة في الأحياء السكنية والأسواق الجوارية، وهو المنتوج الذي شارك به المركّب خلال تظاهرات محلية ودولية، حيث تقوم الإستراتيجية على إعداد برامج إنتاج معدات غير مكلفة، تتماشى وقدرات شرائح واسعة من المجتمع، وكذلك التوجه لعرض منتجات للجمهور الواسع، وخاصة ما تعلق منه بالدراجات من نوع “سكوتير”، والتي تكون قيمتها أقل بكثير من نظيرتها الأجنبية، حيث الغاية كلها تحقيق إيرادات مالية تضمن أجور العمال على الأقل. كما ينكب عمل مكتب صناعة النماذج بالمركّب حول مخططات بدأت منذ سنوات لبعث روح الابتكار في النماذج المطروحة في السوق، منها نموذج لدعم فئة المعاقين وتوفير لهم الحماية، ويتعلق بدراجة نارية من نوع “سكوتير” بثلاث عجلات من صنف “ج 906”. وفي هذا الإطار، قال المدير إنه سيتم التركيز على إنتاج وحدات أخرى في حال حصول الشراكة تتعلق بالحاصدات والجرارات الفلاحية. وقدّم عاملون في المصنع فكرة حول المنتجات التي صنعها المركب منذ بدايته، منها دراجة من صنف (ج- 603) و(ج- 606)، وهو النوع القديم المتخلى عنه لعدم جدواه في السوق، ومنتوج في طور الإنتاج تحت الطلب ويتعلق الأمر بنوع من الدراجات العادية للبالغين، وأخرى لذوي الاحتياجات الخاصة من صنف (ج- 903)، بالإضافة إلى المنتوج النوعي الموجّه لفئات واسعة، وهو الذي يراهن عليه المصنع لتوسيع نشاطه على المستوى الوطني، ويتعلق الأمر بإنتاج دراجة من نوع “سكوتير” من صنف (ج- 906).
أجور متدنية وظروف اجتماعية غاية في الصعوبة تحدث رئيس لجنة المشاركة ممثلا للعمال، فيصل مريمد، عن الحالة التي مر بها مصنع “سيكما” وما واجهه من مشاكل مديونية، مقابل تطلعات العمال لتحسين المنتوج وتنويعه، وهذا كله سيصب في خانة تحسين ظروف العمل وتحقيق الرفاه للعاملين بالمؤسسة، الذين واجهوا خلال سنوات عملهم وخاصة أولئك الذين لم يبلغوا بعد سن التقاعد، ونجوا من “التسريح” القهري الذي أصاب زملاءهم من قبل، واجهوا كل التحديات، وكذلك تدهور أوضاعهم المهنية والاجتماعية وقلة الأجر، وعدم قدرتهم على تلبية حاجيات عائلاتهم تبعا لذلك، وطرح مريمد، في ذلك المشكل القديم الذي لم تستطع المؤسسة تجاوزه والمتعلق بأجور العمال الذين مازالوا يشتكون من قلتها، وقال إن القيمة المدفوعة للعامل لا تكفي لتمضية الشهر، وكذلك الحال بالنسبة لمستحقات المهندسين التي تعتبر بدورها ضئيلة، وأضاف أن ممثلي العمال تقدموا بطلب رسمي لرفع أجورهم وهم ينتظرون. وذكر، من جهته، بن سليم، في إجابة عن انشغال ممثل العمال، بأن مؤشرات سنة 2014 تفيد بوجود تحسن، ومع ذلك يبقى الأمر متوقفا على التقرير السنوي الذي سيحدد الأرباح للمؤسسة، وقال إن المصلحة المعنية بصدد تحضير التقرير المالي. وللإشارة فإن مصادر مادية ذكرت في وقت سابق أن “سيكما” نجحت بفعل إجراءات الإنقاذ التي انتهجتها الدولة في سنة 2012 من تسجيل رقم أعمال قدر ب9 ملايير سنتيم، وهو رقم أعاد للمؤسسة والعمال بعض الأمل، ومكنهم من إدارة عجلة الإنتاج مجددا، وتحقيق اكتفاء مالي يضمن توفير مستحقات العمال ولو على قلتها، ويبقى الأمل قائما اليوم ويسير جنبا إلى جنب مع تطلعات العمال برفع الأجور. “سيكما” تطلّ على الجمهور من خلال موقع افتراضي قادنا مسؤولو مصنع “سيكما” رفقة ممثل العمال للمصلحة المكلفة بإدارة الموقع الالكتروني للمصنع، والتي يشرف عليها مختصون في الاتصال والإعلام الآلي، حيث قدم المعنيون صورة عن المنتجات التي تعرضها المؤسسة لزبائنها الافتراضيين، بتقديم صور متنوعة لسلع دخلت السوق الجزائرية، وأخرى في طور الدراسة، ومنتجات يطمح المصنع لإدخالها، وكذلك صورا لمنتجات متخلى عنها تماما، وهذا الفضاء الجديد هو أحد المؤشرات التي تحاول المؤسسة أن تخلق لنفسها من خلاله نافذة للتعريف بنفسها على النطاق العالمي، ودعم سمعتها الواقعية بأخرى “افتراضية” لتؤكد مجددا بما يتماشى وشعار “مازال واقفين”. سلال: قدمنا قروضا بملياري دينار لإنقاد “سيكما” يستشف من إجابة الوزير الأول عبد المالك سلال لنواب بالبرلمان حول مصير مصنع الدراجات والدراجات النارية بڤالمة “سيكما”، العبارة المتداولة لدى عامة المواطنين أن “الدولة دارت لي عليها والباقي على سيكما”، حجته في ذلك ما قدم لها من دعم قدر بملياري دينار جزائري لإنعاشها. وذكر الوزير الأول بأن الأزمة التي عانى منها المركّب استدعت التدخل لمعالجة الوضعية من خلال استفادتها من تصفية جزئية لديونها بقرار حكومي شهر ماي 2012، كما استفادت من قرضين، الأول استثماري قيمته مليار دينار مخصص لعصرنة أدوات إنتاجها، ما يسمح بتوجيه نشاطها في المجال المتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة والأسرة الطبية، والثاني وقيمته مليار دينار أيضا، وهو قرض استغلال، حيث تمكنت المؤسسة بفضل القرضين من التوجه لخلق حالة من التوازن المالي وإعادة بعث نشاطها.