أكد رئيس لجنة النقل والبريد وتكنولوجيات الاتصال بالمجلس الوطني الشعبي، محجوب بدة، أن غياب سلطة الضبط من بين أهم أسباب معاناة المواطن الجزائري مع قطاع النقل وتكاليفه الذي حررته الدولة دون التفكير في تبعاته. لماذا تخلت الدولة عن قطاع النقل، علما أن الدول المتقدمة تحتكره؟ يجب الاعتراف بأن قطاع النقل عانى من قصور في الرؤية الإستراتيجية مند تحريره في 1988، ومن انعدام مقاربة مدمجة لوسائل النقل، يضاف إلى ذلك غياب سلطة الضبط، ما ساهم في حدوث فوضى كبيرة، يدفع ثمنها المواطن، وستتواصل معاناة المواطنين للأسف على نفس المنوال على امتداد ثلاث أو أربع سنوات أخرى، إلى غاية استكمال أهم المشاريع المدرجة التي تعرف تعثرا وتأخرا غير مفهوم. أما الدولة، فإنها سعت إلى تحرير القطاع لإعطاء دفع له، دون التفكير في تبعات هذا التحرير على الخدمة العمومية وفي ظل غياب الضوابط ما بين 1988 إلى نهاية التسعينيات، تم خلالها إهمال دور المتعامل العمومي في مجال النقل، وتم تدارك الوضع لكن دون استدراك التأخر وهو ما أنتج وضعا غير سوي حاليا، لأن الاختلالات عميقة خاصة في المدن الكبرى. ورغم أننا سجلنا نسبة نمو فاقت 280 بالمائة لتعداد حظيرة النقل الحضري خلال العشرين سنة الماضية، إلا أن المشكل لايزال مطروحا بحدة أكبر في المدن الجزائرية، مع غياب نظام المداومة وفوضى في التسعيرات وغياب الخدمة العمومية. يخصص الجزائري ميزانية كبيرة لوسائل النقل مقابل رداءة الخدمات، ما تعليقكم؟ بخصوص التكلفة، فهي مبدئيا غير مرتفعة بالنسبة للنقل الحضري، إذ تقدر نفقة الفرد في الجزائر بمعدل 1000 إلى 1200 دينار شهريا، ويمثل النقل الحضري حوالي 50 في المائة من حجم التنقل الحضري، لكن هذه الوسيلة تواجه أكبر قدر من الفوضى وعدم الانضباط، سواء من حيث غياب شبكة النقل أو عدم احترام التوقيت، وكان الأجدر بالنسبة للسلطات العمومية أن تقوم بتجميع الناقلين البالغ عددهم أكثر من 50 ألف ناقل خاص في مؤسسات يضبطها دفتر شروط، ونستغرب انعدام سلطة ضبط في قطاع استراتيجي وحيوي وهام بالنسبة للبلاد. وقد سبق أن قدمت مقترحات عملية من بينها إنشاء شركات محترفة ومتخصصة في مجال النقل الحضري، وإخضاعها لدفتر شروط تلتزم به، سواء من حيث السلامة والأمن وتسهيلا لتنظيم القطاع، فضلا عن إمكانية تطبيق القوانين عليها في حال عدم امتثالها للقوانين. بالمقابل، نجد أيضا أن مجال سيارات الأجرة يعرف هو الآخر فوضى كبيرة من عدم احترام العداد، والتجميع وسيادة منطق النشاط الموازي ورفض الوجهة المحددة من قبل الزبون، وغياب الرقابة، كل ذلك يحدث بسبب عدم التقيد بالقوانين. وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة مراجعة القوانين المعتمدة التي لم تعد تستجيب للمتطلبات، من بينها آليات منح رخص الاستغلال التي يتعين تغييرها لإبعاد كافة أشكال البزنسة، واعتماد اللامركزية وإسناد العملية لهيئة مختصة، بدل التركيز على التسيير الإداري الذي تبين عدم فعاليته، وإسناد المهنة لمحترفين ومختصين وهنا أيضا يتعين إنشاء مؤسسات يمكن التحكم فيها بدفتر شروط وإضفاء الاحترافية والمهنية. ويشكّل النقل بسيارات الأجرة ثاني وسيلة نقل حضرية هامة بحوالي 30 في المائة، ولكن يلاحظ هنا مضاعفة التكاليف، إذ أن متوسط النفقات للفرد الواحد يتراوح، حسب تقديراتنا، ما بين 3000 و4000 دينار شهريا، أي ما بين 16.6 و22.22 في المائة من الأجر الأدنى المضمون، أي أنه استنزاف حقيقي لجيوب المواطن، يحدث ذلك في وقت تعاني المدن الجزائرية أزمة نقل ستتواصل إلى 2018 ويمكن أن تتفاقم أكثر، حيث نسجل مدة تنقل تتراوح ما بين 120 إلى 160 دقيقة على دائرة 20 كلم للاختناقات المسجلة على كافة المحاور. هل قدمتم اقتراحات لوزارة النقل لإلغاء التسعيرة الجديدة أو مراجعتها، وهل طرحتم المشكل على البرلمان والجهات الوصية؟ تتركز التصورات والمقترحات التي يرتقب تقديمها على ضرورة إنشاء سلطة الضبط، لمراقبة النشاط وإنشاء شركات محترفة ومتخصصة في سياق تجميع الناقلين، مع اعتماد دفتر شروط وإحداث تغيير في نظام تسليم رخص الاستغلال لسيارات الأجرة، وإعادة الاعتبار لنظام المرور والحركة بمقاييس عالمية، مع إبراز أنظمة الإشارات والمراقبة.