صدر في العدد الأخير للجريدة الرسمية قانون السمعي البصري، بعد شهرين من المصادقة عليه في البرلمان، لكن تجسيد أحكامه وتنصيب سلطة الضبط، سيأخذ مزيدا من الوقت حسب المتوقع. يتضمن القانون الجديد في مواده، ما لا يقل عن 14 إحالة على المراسيم والنصوص التنظيمية، تخص مواد محورية وضرورية لتجسيد عملية الانفتاح المنتظرة، ومنها المادة 17 الخاصة بتحديد الحجم الساعي للبرامج الإخبارية المتاح للقنوات الموضوعاتية تقديمها على شبكتها البرامجية، والمادة 22 المتعلقة بشروط وكيفيات الترشح للحصول على رخصة البث للقنوات التلفزيونية والإذاعية. وبناء على تجارب التشريع، فإن إصدار النصوص التنظيمية والمراسيم الملحقة يتطلب وقتا أطول، ففي قانون الإعلام الذي تضمن عشرات المواد المحالة على التنظيم، لم يصدر إلا مرسوم تنفيذي واحد، ويتعلق بالبطاقية الوطنية للصحفي المحترف، فيما تأجل صدور بقية النصوص والمراسيم ومنها الخاص بتنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وتلك المتعلقة بهيئة أخلاقيات المهنة. وفي هذا السياق ينتظر تأخير تنصيب لجنة سلطة السمعي البصري التي تحوز على سلطات واسعة في تنظيم وتأطير السوق السمعي البصري، بالنظر إلى الظرف السياسي الحالي، والمرجح تأجيل تعيين الهيئة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية وتعيين الفريق الحكومي الجديد. ويسمح تأخر تعيين اللجنة للوزارة بتولي دور السلطة مؤقتا وفق أحكام المادة 112 من القانون التي تنص “تسند مهمة سلطة ضبط السمعي البصري، في انتظار تنصيبها، إلى الوزير المكلف بالاتصال”. ورغم أن التعددية في مجال السمعي البصري أصبحت واقعا فعليا، وأن المتفرج الجزائري أصبح لديه مجموعة بدائل متنوعة للتلفزيون العمومي “اليتيمة”، بحكم تواجد عشرات القنوات الجزائرية الخاضعة للقانون الأجنبي، يطرح تأخر تطبيق أحكام النص إشكالات تتعلق بمدى حرص السلطة على تجسيد القوانين التي وضعتها، كما يعزز الشكوك في عدم نيتها التعجيل بتجسيد فعلي سوق سمعي بصري في إطار قانوني، والسؤال إذا لم يكن الأمر يتعلق في الحقيقة بالإبقاء على حالة الفوضى القائمة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، واستنساخ من جهة ما يعيشه قطاع الصحافة المكتوبة لتعويم العناوين الجادة، بعدما أصبح إنشاء جريدة أسهل من فتح محل للأكل السريع. والخوف في مسار الانفتاح الجاري يكمن في استغلال السلطات الثغرات القانونية الموجودة في تنظيم سوق السمعي البصري للضغط على للناشطين في المجال، بشكل يذكر بفترة التسعينات، حيث تم تعليق ووقف نشر 10 صحف لتجاوزها الخطوط الحمراء التي وضعتها السلطة لها، المضبوط حاليا، وبينت تجربة وقف بث قناة “الأطلس”، كيف تعاملت السلطة بخشونة مع الأصوات المنشقة عنها، دون أن تبرر للرأي العام أسباب تلك المعاملة.