شكل مهرجان السينما المغاربية فرصة للحديث عن واقع السينما التونسية، حيث نزل كل من المخرج أشرف لعمار، الدكتور والمخرج وسيم القربي، والإعلامية المتخصصة في السينما انتصار دريدي، ضيوفا على ”الخبر”، للحديث عن مشاكل وآفاق الإنتاج السينمائي في بلدهم تونس، حيث اختلفت الآراء والمواقف، لكنها اجتمعت على أن الوضع في تونس يشهد تحولا كبيرا، وتونس اليوم تعيش ”طوفان الأفلام الوثائقية”. يرى الدكتور والمخرج وسيم القربي أن هناك ثلاثة أشياء بعد الثورة التونسية أثرت بشكل كبير على السينما، أولا: العقلية الإدارية التي ظلت تحاصر السينما في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ولم تتغير، حيث لم يحدث انتقال ديمقراطي، ثانيا الهيكل الإداري بقي نفسه، ثالثا سيطرة البيروقراطية على السينما التونسية إلى غاية اليوم. وأوضح المخرج وسيم القربي أن السينمائيين التونسيين يحاولون دائما الخروج من مقبض السياسة الذي يضغط من حين لآخر على المشهد السينمائي، حيث يعرف معظمهم بتوجههم اليساري، ويقود مسيرتهم اليوم الشباب المولع بالسينما، ويريد تغيير السياسة الثقافية، كما يوضح الدكتور وسيم القربي أن الثورة التونسية فجرت ”ثورة من الأفلام الوثائقية”، حيث وصلت تونس اليوم إلى ما يشبه ”طوفان الأفلام الوثائقية”، وهذه الظاهرة تبقى جيدة حسب ضيوف ”الخبر”، خصوصا أنها مكنت تونس من المشاركة في العديد من المهرجانات العالمية، كما يضيف وسيم القربي أن انبهار الغرب بثورة الياسمين أعطى تونس أولوية المشاركة في عديد المهرجانات. 12 قاعة سينما في تونس فقط! تواجه تونس كغيرها من دول المغرب العربي أزمة قاعات السينما، حيث لا توجد بها إلا 12 قاعة على مستوى الجمهورية، 7 منها لا تقدم أفلاما حسب ضيوف ”الخبر”، وحال عديد القاعات السينمائية يشبه حال قاعات السينما في الجزائر التي تحولت إلى محلات تجارية ومطاعم، ورغم جهود المركز السينمائي للصورة التونسية لخدمة الإنتاج السينمائي، إلا أن الحركة الإنتاجية لا تزال ضعيفة، ناهيك عن التوزيع الذي لا يزال حسب المخرج أشرف لعمار يصطدم بأزمة القاعات، ما يجعل العروض حكرا على المهرجانات فقط، منها ”مهرجان قرطاج السينمائي” الذي يواجه هو الآخر أزمة تحديث المعدات السينمائية، وهذا ما يشير إليه أنيس لسود رئيس ”مهرجان الفيلم المغاربي بنابل” الذي تأسس سنة 2005، كأول مهرجان للسينما المغاربية، وأوضح أن الدعم المالي للمهرجانات في تونس لا يزال بسيطا، كما تواجه السينما التونسية اليوم أزمة القرصنة بعد أن امتهنت أزيد من 70 ألف عائلة تونسية مهنة بيع الأقراص المضغوطة، بحسب ما تشير إليه الإحصائيات الرسمية للدولة، كما يوضح المخرج التونسي أنيس لسود الذي فاز فيلمه ”صباط العيد” السنة الماضية بجائزة لجنة التحكيم في الدورة الأولى لمهرجان السينما المغاربي بالجزائر، وأضاف أن عودة الجمهور إلى قاعات السينما بحاجة إلى تخطيط عميق مؤسس على محاربة ظاهرة القرصنة. لم يهدأ الجدل الكبير الذي بدأ بعد فوز عبد اللطيف كشيش السنة الماضية بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان ”كان”، وناقش ضيوف ”الخبر” الجائزة، حيث تباينت المواقف بين من اعتبر التتويج تونسيا ومن رفض تلك الجائزة بسبب طبيعة الفيلم الذي يتناول حياة ”المثليات جنسيا” تحت عنوان ”حياة أدال”. وقال المخرج وسيم القربي إنه يرفض نسب سعفة عبد اللطيف كشيش إلى تونس، معتبرا الفيلم أوروبيا بنصه وميزانيته، كما قال ”عندما أشاهد فيلما مغاربيا سواء بالتمويل أو الأفكار سأعتبر الفيلم تونسيا”. وأوضح المتحدث أن ما طرحه عبد اللطيف كشيش كان من منظور غربي، ما يجعل الفيلم غير تونسي والجائزة كذلك. وأشار المخرج وسيم القربي إلى أن دول المغرب العربي بحاجة اليوم إلى ضبط اتفاقيات ثقافية إقليمية لصناعة أفلام تخدم الثقافة المغاربية. وقالت الإعلامية انتصار في السياق ذاته إن ”سعفة” عبد اللطيف كشيش ليست تونسية، وأوضحت أن ”الموضوع الذي طرحه فيلم حياة أدال لا يحمل هوية تونسية”، كما أضافت ”عبد اللطيف كشيش لم ينطلق من ذاته كتونسي، وإنما قام ببناء فيلم وفق رؤية غربية”، معتبرة أن المخرج سعى إلى العالمية كغيره من المخرجين العرب المهاجرين. وتبنى الموقف ذاته المخرج أشرف لعمار قائلا ”إن سعفة عبد اللطيف كشيش ليست تونسية، صحيح المخرج تونسي في الأصل، لكن أفلامه لا تحمل هوية السينما التونسية”، مشيرا إلى أن خلو الفيلم من روح الهوية التونسية لا يقلل من هوية وأصل المخرج التونسي. وخلافا لرأي الإعلامية انتصار دريدي والمخرج وسيم القربي والمخرج أشرف، شدّد المخرج أنيس لسود على أن سعفة ”عبد اللطيف كشيش” تبقى تونسية رغم الجدل الكبير حولها، معتبرا أن المخرج عبد اللطيف كشيش ومدير تصويره التونسي الأصل كانا وراء نجاح الفيلم، ما يعطي الفيلم هوية تونسية خالصة. كما قال أنيس لسود إن هناك تنوعا ثقافيا في تونس بين أصحاب الفكر الفرانكفوني والمعربين، وإن كان عبد اللطيف كشيش ينحدر من التيار الفرانكفوني، فإن ذلك لا يقلل من هويته التونسية، مضيفا أن عدم عرض الفيلم في تونس راجع إلى الظروف السياسية التي تمر بها، ولا يفسر قناعة المجتمع التونسي الذي يميل بطبعه إلى التحرر، وهو ما يعكسه فيلم ”عصفور السطح ” الشهير الذي لا يزال رمزا في تاريخ السينما التونسية لتناوله موضوعا يندرج تحت الخط الأحمر في كثير من الدول العربية. جرأة وتحدٍّ للنظام.. قال المخرج التونسي أشرف لعمار إن السينما التونسية قوية اليوم بسبب التقنية، بالإضافة إلى تناول المواضيع القوية، ما يجعلها توصف بالسينما ”الجريئة” أحيانا. واكتسبت السينما التونسية هذه ”الجرأة” حسب المتحدث من خلال إرادة المخرجين التونسيين عبر التاريخ الذين تحدوا الدولة عبر العديد من الأفلام، على غرار فيلم ”خالي من الرصاص” لسامي دليلي سنة 2005 الذي تناول موضوع الانتحار حرقا، وفيلم ”الدواحة”، وفيلم ”رأس كلب” وفيلم ”ديبلوم” للمخرج عبد اللطيف بن عمار الذي تحدى النظام. كل هذه الأفلام وغيرها كانت نابعة حسب المخرج أشرف لعمار من ”عطش المخرجين لتصوير أفلام تتحدى قهر الأنظمة للمواطن التونسي، وهي أفلام بعضها صور دون ترخيص، كما هو حال الأفلام الوثائقية التي انتشرت بقوة بعد سقوط نظام بن علي”. الجزائر سباقة في الدفاع عن الإنتاج المغاربي طرحت الندوة نقاشا حول مفهوم السينما المغاربية التي لا تزال تطرح إشكالية الأنظمة السياسية التي ترفض الاعتراف بضرورة تجاوز الثقافة للمشاكل السياسية والالتزام بالفكر الثقافي الواحد، خصوصا كما يقول الدكتور وسيم القربي أن هناك ”تقاربا ثقافيا ولغويا مشتركا يكسر الحدود بين دول المغرب العربي الكبير”. وأوضح المخرج أنيس أسود في الإطار ذاته أن المنطقة يحكمها تاريخ واحد تحدده الثقافة الأمازيغية العربية التي تطرح التقارب الفكري، مشيرا إلى أن هذا التقارب يمكن أن يؤسس لصناعة سينما مغاربية حقيقة، ويحل أزمة توزيع الأفلام التي تعتبر معضلة حقيقة في العالم العربي. وتعتقد الإعلامية انتصار دريدي التي تقدم برنامجا سينمائيا منذ 8 سنوات عبر أمواج الإذاعة الوطنية التونسية، أن اللغة السينمائية المتشابهة في الأفلام المغاربية التي عرضت في إطار مهرجان السينما المغاربية تعكس مفهوم ”مغاربية السينما”، مشيرة إلى أن المهرجان يجب أن يسافر بين الدول المغربية كل عام، حتى يصل إلى الجمهور المغاربي الواسع. ولتجاوز عقد صناعة السينما المغاربية، يعتقد المخرج أنيس لسود أن الحل يكمن في ”الإنتاج المشترك جنوب-جنوب”، بين دول شمال إفريقيا، للخروج من عقد التمويل الغربي للأفلام المغربية، كما يقول أنيس إن الجزائر تعتبر أول من فتح الأبواب أمام المخرجين التونسيين في هذا الإطار الذي لا يزال بحاجة إلى تفعيل من باقي الدول المغاربية.