يطمح الليبيون إلى تجاوز الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد من خلال منح الثقة لسلطة سياسية تحظى بالشرعية لمواجهة الانفلات الأمني ووضع حد للنزاع القائم حول الشرعية ومن يمثلها، ويرى المراقبون أن البرلمان المنتظر الإعلان عن نتائجه منتصف شهر رمضان بحسب تأكيد عماد السايح رئيس لجنة الانتخابات، قد يكون الخطوة الأولى لتحقيق المرحلة الأولى من الاستقرار السياسي، باعتبار أن من مهام البرلمان الجديد خلال أول اجتماع له تحديد موعد أولى انتخابات رئاسية في البلاد منذ الإطاحة بنظام العقيد القذافي، فيما تذهب التوقعات لاعتبار شهر سبتمبر القادم موعد الرئاسيات. غير أن الحديث عن عودة الاستقرار في ليبيا يبدو أكثر تعقيدا على الأرض، باعتبار البرلمان المرتقب سيحظى بصلاحيات أقل من المؤتمر الوطني العام الذي كان يعتبر أعلى سلطة سياسية في البلاد، وهو ما أكده المتحدث باسم المؤتمر الوطني (البرلمان) عمر حميدان الذي أبدى مخاوف من استمرار أزمة الشرعية السياسية حتى بعد انتخاب أول برلمان ليبي، باعتبار أن الفرقاء السياسيين سيواصلون نزاعهم حول من يستلم الصلاحيات الواسعة التي كان يحظى بها المؤتمر، مثلما أكده حميدان الذي شدد على أن البرلمان المرتقب سيكون هيئة تشريعية ويتمتع بالصلاحيات التقليدية المعهودة في كل البرلمانات، عكس المؤتمر الذي كان يتمتع بصلاحيات سيادية من قبيل سيادته على الجيش الليبي. ويخشى المتابعون للوضع في ليبيا من أن تتفاقم الأزمة على خلفية نزع صلاحيات المؤتمر من البرلمان الجديد، ما يجعل الباب مفتوحا بين الجماعات المسلحة للتنازع على شرعية قيادة الجيش الوطني الليبي، باعتبار أن قائد معركة “كرامة ليبيا” اللواء خليفة حفتر نصب نفسه قائدا للجيش الليبي وأطلق على المجموعات المسلحة التي يسيطر عليها تسمية “الجيش الليبي”، فيما يبقى منصب وزير الدفاع من نصيب رئيس الوزراء المكلف عبد الله الثني، في حين أن الجيش الليبي الرسمي يعرف مشكلات تنظيمية كبيرة أضعفته وقلصت قدرته على السيطرة على الوضع الأمني. وعلى الرغم مما تتحدث عنه التقارير الإخبارية الواردة من ليبيا حول تقارب بين اللواء حفتر ورئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، إلا أن العديد من الشخصيات الليبية السياسية والعسكرية نددت بسعي خليفة حفتر لفرض نفسه قائدا عاما للجيش الليبي، مثلما ذهب إليه وزير الدفاع السابق أسامة الجويلي الذي أكد أن إصرار حفتر على تجنيد المزيد من العسكريين من شأنه فتح الباب أمام الجماعات المسلحة المناهضة له للعمل بالمثل، ومن ثم استمرار أزمة انتشار السلاح في ليبيا وإضعاف الجيش الليبي الرسمي. ولعل ملامح المعركة بين جماعة حفتر والجماعات المسلحة الموالية لقيادات المؤتمر الليبي والمحسوب على التيار الاسلامي بدأت تتجلى على أرض الواقع، من خلال تغيير منحى المواجهة بين الطرفين من الاشتباكات المفتوحة في مناطق متفرقة من المدن الليبية إلى معركة يستهدف من خلالها كل طرف قادة الطرف الثاني، فقد أفادت الأنباء الواردة من ليبيا بإقدام مجموعة مسلحة مجهولة على اغتيال عقيد متقاعد بالجيش الليبي بمدينة بنغازي، فيما أكد حزب “الحزب العدالة والبناء” الذراع السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا اختطاف أحد قياداته، ويتعلق الأمر برئيس دائرة اللجان المختصة بالحزب محمد الحريزي، الأمر الذي يبرر مخاوف المراقبين من احتمال استمرار أزمة الشرعية وحالة الانفلات الأمني في ليبيا حتى بعد انتخاب البرلمان الجديد وتحديد موعد لأول انتخابات رئاسية في البلاد.