كانت الساعة تشير إلى التاسعة من صبيحة يوم 14 ديسمبر 2011، حينما تلقّت فرقة الدرك الوطني بعاصمة ولاية تيبازة اتصالا هاتفيا من امرأة، قالت بأنها من سكان حي الإذاعة، الواقع بأعالي بلدية تيبازة، وبأنها أمام جثة شخص مقتول وممزق الأحشاء دون أن تقدّم توضيحات أخرى، ثم قطعت الاتصال. استنفر ذلك الاتصال عناصر الدرك ليشكّلوا دورية انطلقت بسرعة وحلّت بحي ”الرادار” المعروف ب«حوش قيرو” الواقع جنوبي البلدية. وبعد دقائق من البحث عن أي شخص يفيدهم بوقائع جريمة تكون قد حدثت هناك لم تظهر أي معلومة مفيدة، غير أن رجال الدرك توغّلوا في الحوش ووسط المنازل المتناثرة هنا وهناك، ليشدّ انتباههم امرأة تهرع إليهم باكية مصدومة، وعند اقترابها منهم حاول رجال الدرك تهدئة روعها، فكشفت عن هويّتها وأكدت بأنها صاحبة الاتصال، ثم طلبت منهم مرافقتها إلى منزل شقيقها عبد القادر الساكن بجوارها. عند اقترابهم من منزل الضحية عبد القادر بن توتة، قادت الشقيقة المصدومة أفراد الدرك إلى كومة من روث الأغنام والأبقار ودلّتهم على جثة شقيقها وهي مرمية خلف مسكنه بالجهة الجنوبية ملفوفة ببطانية، ورجلاه بارزتان ومقيّدتان بخيط قماش أسود. عند اكتشاف الجثة شبه عارية، ماعدا قميص داخلي أبيض اللون (ديباردور)، سارع قائد الفرقة لإبلاغ وكيل الجمهورية المختص إقليميا، ثم طلب حضور الفرقة التقنية التي حلّت بالمكان، ليتم رفع باقي القمامة عن الجثة التي كانت مصابة بطعنة على مستوى البطن من الجهة اليسرى، بينما كانت أمعاؤه بارزة ومتدلّية، مثلما تمّت معاينة طعنة أخرى على مستوى فخذ الرجل اليسرى. وبعد استكمال المعاينة الجنائية الأولية وأخذ القياسات، تمّ رفع الجثة من بين الفضلات الحيوانية الجافة التي كانت بالجهة الخلفية لغرفة نوم الضحية. وفي مسرح الجريمة، تمكّن المحققون من العثور على خنجر مفتوح بمقبض خشبي من الحجم المتوسط وبه آثار دماء جافة، كان مطروحا على بعد 3 أمتار من المكان. ومواصلة للتحقيق تمّ التقاط بقع دم كانت تصل مكان وجود الجثة بغرفة نومه على مسافة بضعة أمتار، فيما تمّ التقاط علبة أقراص منوّمة كانت ملقاة تحت سرير النوم. حضر الجميع وغابت زوجة القتيل رغم هول الجريمة وبشاعتها وسلسلة التحريات التي كان محيط المنزل مسرحا لها، إلا أن زوجة الضحية كانت غائبة عن المنزل، وأخذت وجهة مجهولة وقامت بإغلاق هاتفها الشخصي. وبهذا التصرف، توجهت الشكوك مباشرة نحو الزوجة التي غابت عن المنزل فجر ذلك اليوم، فتمّ البحث عن الأماكن التي تكون قد لجأت إليها، حيث تم الاتصال بأقاربها وبعض معارفها لعلها تكون قد لجأت إليهم، لكن جميع الاتصالات لم تفضِ إلى تحديد مكان تواجدها، غير أن مصالح الدرك أصرّت على تكثيف الدوريات وتمّ إطلاق حملة تفتيش شملت جميع المناطق الريفية المجاورة للمنزل. وفي الأخير تمكّن عناصر الدرك من اكتشاف الزوجة المبحوث عنها منزوية داخل منزل مهجور بالجهة الجنوبية الغربية من مسرح الجريمة على بعد 3 كلم. القبض على الجانية يقول المثل العربي ”كاد المريب أن يقول خذوني”، فالزوجة التي فرّت من منزل زوجها حينما هرع الأمن والأقارب والجيران إليه، جعل الشكوك تتجه نحوها مباشرة، وهو ما كان بالفعل، حيث كانت ال88 ساعة التي مكثتها تحت النظر والاستجواب كافية لاعتراف الزوجة أو ”العروس”، ذات العشرين سنة، باقترافها للجرم. وتشير مصادر أمنية إلى أن الزوجة المشتبه فيها انهارت عند التحقيق، وأقرّت بأنها قتلت زوجها بمفردها، وأصرّت على تكرار كلمة ”بمفردها”، وهو الإصرار الذي حرّك الشكوك إلى احتمال وجود جناة آخرين. وأثناء الإستماع إلى روايتها، صرّحت الجانية ”ب.ح” بأنها صمّمت على التخلص من زوجها الذي ارتبطت به قبل سبعة أشهر فقط، وكشفت عن خلافات نشبت بينهما دفعتها لطلب الطلاق منه، كما تحدّثت عن تطوّر المشاكل إلى أن تعرّفت على شخص يدعى ”ع.س”، 26 سنة، مقيم في حي وادي مرزوق المجاور، اتهمته بمساعدتها في ضبط خطة للتخلّص من زوجها بطريقة هادئة. تواصل الجانية اعترافاتها وتقول بأن صديقها ساعدها في الحصول على عقاقير منوّمة دسّتها لزوجها في الحليب، فخلد إلى نوم عميق، فقرّرت عروسه تنفيذ الجزء الثاني من مخطّطها الذي توافق مع ساعة الفجر، حينما قيّدت قدميه بحبل، وانتظرت التوقيت المناسب للإجهاز عليه، غير أن الضحية بدأ يسترجع وعيه، فغدرت به بطعنة على مستوى الفخذ وأخرى على مستوى مركز البطن، وغرزت خنجرها إلى أن برزت أمعاؤه. وتطابقت اعترافات الجانية مع المعاينة الأولية للغرفة، حيث قالت بأنها قامت بجرّ جثّة زوجها إلى خارج الغرفة، وحاولت طمس آثار الجرّ بواسطة حفنات من روث الأبقار، ثم سارعت إلى تنظيف أرضية الغرفة بواسطة الماء لمحو آثار الدماء وحملت هاتفها لتختفي من المنزل وتتصل بصديقها، الذي كان في منزله مخبرة إياه بتنفيذها للجرم، وطلبت منه الحضور إلى مكان آخر ستختبئ فيه. حينما سألها المحققون عن الدافع الحقيقي لانتهاجها هذه البشاعة في إزهاق روح زوجها، أكدت بأن السبب يعود لكثرة المشاكل التي برزت بعد أسابيع من زواجها. وقالت إن السبب الرئيسي لتفكيرها في قتله هو رفضه لطلبها في فكّ الرابطة الزوجية، وقالت بأنه طلب منها تسليمه مبلغ 50 مليون سنتيم مقابل الاستجابة لطلبها، ويمثّل ذلك المبلغ تكاليف زفافه منها، وثمرة جهوده في تكوين أسرة معها. ولم تمض سوى ساعات على توقيفها حتى سارعت مصالح الدرك إلى تطويق حي وادي مرزوق بأعالي تيبازة، وتمكّنت من إلقاء القبض على شريك الجانية، ويتعلّق الأمر بالمشتبه فيه ”ع.س”، الذي نفى التهمة المنسوبة إليه جملة وتفصيلا، مستغربا توقيفه بتلك الطريقة، واستمر في إنكاره لجميع الوقائع قبل أن يواجه بسجل المكالمات الصادرة منه والواردة إليه من هاتف الزوجة القاتلة، إضافة إلى اتصال هاتفي صدر من رقم هاتف الجانية ساعة اقترافها للجريمة، وقدم إلى المحاكمة بتهمة المشاركة، بينما سجنت الزوجة بتهمة القتل العمدي بالسلاح الأبيض مع سبق الإصرار والترصد. وعلمت ”الخبر”، من مصادر محلية، بأن محكمة الجنايات لمجلس قضاء البليدة سلطت عقوبة السجن المؤبد في حق الجانية المسماة ”ب.ح”، بينما عوقب شريكها ب20 سنة سجنا نافذا. شقيقة الضحية تكشف التفاصيل في خضم التحقيقات الجنائية الأولية، استرجعت الشقيقة وعيها وتمالكت أنفاسها وصرّحت بأنها اكتشفت الجثة حينما تفقّدت منزل شقيقها في صبيحة ذلك اليوم، وروت بأنها متعوّدة على زيارة منزل شقيقها عبد القادر. وفي صبيحة ذلك اليوم المشؤوم، انتابها شعور غير طبيعي، فغادرت منزلها وتوجّهت إلى مسكن شقيقها فطرقت بابه ونادت باسمه وباسم زوجته دون أن يجيبها أحد فدفعت الباب الذي لم يكن موصدا، واقتربت من غرفة نوم شقيقها فنادته دون ردّ، ولدى اقترابها وجدت باب غرفته مفتوحا، لتتفاجأ بغيابه قبل أن تنتبه لوجود طبقة من الماء تغطي أجزاء من الغرفة، وهناك انتابتها شكوك حول مكروه يكون قد أصاب شقيقها. عند رجوعها خطوة نحو الوراء رصدت قطرة دم عند عتبة الغرفة، ومن خلال تتبّعها لآثار أخرى متتالية على مسافة بضعة أمتار وجدت شقيقها غارقا في دمائه وملقى خلف المسكن مغطى بكومة من روث الأبقار، فسارعت إلى نبش الكومة، لتكتشف بأن شقيقها مقتول وممزق البطن فسقطت مغشيا عليها، قبل أن تستفيق بعد نصف ساعة وتسارع إلى منزلها، حيث تمكنت من الحصول على رقم هاتف مصالح الدرك وبلّغتهم عن الجريمة. الجريمة تحت المجهر غياب الودّ والاحترام فجّر حقد الزوجة قال الأستاذ في علم الاجتماع الجنائي بجامعة الجزائر2، حشروف محمد، إن طبيعة المرأة التي تنبذ العنف والقسوة لا تمنعها من ارتكاب جريمة في حق زوجها، وهو ما يعكسه سيناريو هذه الجريمة المروعة. وأرجع المختص دوافع اقتراف الجانية للجريمة إلى علاقة الحبّ الموازية التي جمعتها مع شخص آخر، بعد أن تبلورت في ذهنها فكرة أن الحياة الزوجية بمثابة سجن لها، وهو ما يفسّر طلبها للطلاق من زوجها، الذي رفض الطلب إلا بمقابل مادي، ومن هنا قررت الجانية التخلّص منه. وأضاف المتحدث أن مشاركة عشيق الزوجة في الجريمة دلالة على أنهما اتفقا وخططا بإحكام لقتل الزوج، ظنا منهما أن التخلص منه هو الحل الوحيد لاكتمال علاقتهما وسعادتهما، وهو ما دفعهما إلى استعمال المنوّم لتجنّب مقاومة وصراخ الضحية وقتله في صمت. وختم الأستاذ بالقول إنه غالبا ما تقف دوافع عاطفية وراء هذا النوع من الجرائم، مشيرا إلى أن اختفاء الودّ والاحترام بين الزوجين يؤدي إلى فتح المجال أمام الخلافات العائلية، خاصة في حالة تعنّت أحد الطرفين، وهو ما يحوّل الحياة الزوجية إلى جحيم، ويدفع أحدهما الى الهروب من هذا الواقع بأيّ طريقة.