قال الدكتور أمين الزاوي إن التنوع اللغوي في الجزائر يعد “حالة إيجابية لأنها تعكس تنوعا في الرؤى، وتعكس تنوعا في حساسيات الكتابة الإبداعية، باعتبار أن كل لغة لها مخيال ولها ذاكرة ولها مسار مع التاريخ وتقاطعات مع لغات أخرى”. أشار أمين الزاوي، في محاضرة ألقاها أول أمس بالمكتبة الوطنية الجزائرية حول موضوع “لغات الإبداع والقراءة في الجزائر المعاصرة”، والتي نظمتها الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، إلى أن الجزائر تعرف أربع لغات يمارس بها الإبداع والقراءة الثقافية وهي العربية والفرنسية والأمازيغية والعامية الجزائرية. ونبه إلى أن التعدد اللغوي قد يصبح في مرات حالة سلبية وذلك حين يتحول المتعاملون بهذه اللغات من مبدعين ومثقفين إلى “ڤيطوهات” متباعدة أو متصارعة. إن ظاهرة “الغيطو” تقتل التنوع، ومحاربة مرض “الڤيطوهات” الثقافية يمر عبر فتح ممرات وحوارات ثقافية بين الممارسين للإبداع بهذه اللغات. كما تعرض المحاضر إلى خصوصية الفضاء الإبداعي بالعربية في الجزائر، مشيرا إلى أن المثقف باللغة العربية في الجزائر مثقف إما في جبهة الغضب أو جبهة الولاء، وهو مثقف يخاف من الآخر، وأن القارئ بالعربية هو قارئ له عين على الإبداع وأخرى على الدين. وأوضح الزاوي بأن اللغة العربية في الجزائر مؤدلجة كثيرا وأن ذاكرتها مشحونة بالديني. وقال: “وأمام هذا يبدو القارئ بالعربية لا يفرق كثيرا بين حقول المعرفة فهي متداخلة لديه وبالتالي أحكامه على الإبداع هي أحكام ومقاربات أخلاقية في المقام الأول. هذا لا يعني بأن هذا الحقل مقفل، بل إن هناك أسماء روائية متميزة تكتب بالعربية من الجيل الجديد استطاعت أن تحقق وجودها في الساحة العربية”. كما تعرض الزاوي إلى الفضاء الإبداعي باللغة الفرنسية، مشيرا إلى أن وضع اللغة الفرنسية في الجزائر وضع خاص جدا، ولذا علينا قراءة وجود هذه اللغة بمقاربات جديدة، مؤكدا أنه وبعد خمسين سنة من الاستقلال وعقب تعريب كامل للمدرسة الجزائرية التي خرجت ملايين من المتمدرسين لايزال الجيل الجديد يكتب بالفرنسية. وقال الزاوي: “لقد كذبت المقولة التي كانت تقول في السبعينيات بأن جيل الكتاب بالفرنسية قد شاخ وانتهى، إن الساحة الإبداعية الجزائرية بالفرنسية تقدم لنا يوميا مفاجآت كثيرة من شباب لا تتجاوز أعمارهم العشرين سنة يكتبون بفرنسية مثيرة للغاية”. كما تحدث المحاضر عن القارئ باللغة الفرنسية في الجزائر الذي اعتبره يتميز بانفتاح وبنوع من التسامح، نظرا لتجربته في قراءة نصوص فرنسية أو عالمية مترجمة إلى الفرنسية فيها الجرأة والحرية. وبخصوص الحقل الثقافي بالأمازيغية، أوضح الزاوي بأنه ومنذ أن أصبحت هذه اللغة لغة وطنية انتقلت الكتابة من حالة الكتابة الاحتجاجية إلى بداية التأسيس لكتابة تأملية، وأعطى نموذجا من كتابات الروائي إبراهيم تزاغرت الذي بدأ في نحت نص روائي بالأمازيغية في حوار مع النصوص الروائية الكبيرة المكتوبة بالفرنسية وبالعربية. أما عن القارئ باللغة الأمازيغية فيعتقد بأنه قارئ مضبب، غير واضح المعالم، وسوق الكتاب الأمازيغي سوق غير واضحة، مع غياب كامل للدراسات السوسيولوجية الميدانية لهذه الظاهرة، وأن كثيرا من مقتني الكتب بالأمازيغية هو اقتناء المساندة النضالية وليس من أجل القراءة.