في الوقت الذي تزداد ضراوة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وتزامنا مع الانحياز الصارخ للطبقة السياسية الحاكمة في الغرب، ووقوفها إلى جانب الدولة العبرية في عدوانها، وتعديها الصارخ على القانون الدولي، يأتي كتاب اللورد البريطاني “لوذيان”، الصادر عن منشورات “عالم الأفكار” في الجزائر العاصمة، بعنوان “كيف خسر الغرب الشرق الأوسط.. صرخة من قلب لورد بريطاني”. والكتاب في الأصل عبارة عن محاضرة ألقاها اللورد “لوذيان” في شهر أكتوبر 2013 بمعهد دراسة الدبلوماسية بجامعة جورج تاون بواشنطن، ونظرا لأهميته ترجمه الأستاذ أمير نور إلى اللغة الفرنسية ثم العربية ثم علق عليه واشتغل بحواشيه. جاء في التقديم الذي وضعه الأستاذ محمود براهم للكتاب أن “قيمة هذا المجهود الثمين لصيقة بما حواه من تأملات واستنتاجات تنّم عن عمق معارف صاحبه بخبايا المنطقة ودقائقها. أما القيمة المضافة لهذا العمل فتمثلت في إسهام الأستاذ أمير نور في ترجمته ترجمة غاية في الدقة والحصافة بما تعكسه من إلمام باللغات المنقول منها وتلك المنقول إليها، فجاءت ترجمته هذه انعكاسا صادقا لأفكار اللورد لوذيان هذا الذي تربع في بلده على منازل شامخة في مجال الدراسات الإستراتيجية العالمية”. لقد تعرض اللورد لوذيان وبمنتهى الصراحة والوضوح للسياسات الغربية تجاه المنطقة العربية والإسلامية وما شابها وعابها من مواقف تعكس غطرسة الغرب الإمبريالي الآفل نجمه وجشعه الذي لا حدود له وطبيعته التطفلية القائمة على استغلال الشعوب وتدمير مواردها المادية والفكرية والخلقية وجهله بالإسلام ومشاربه المختلفة ونزعته إلى التوجس والريبة من هذا الدين العظيم وتحيزه الفاضح للباطل في قضية فلسطين السليبة ثم ما مارسه من سياسات بغيضة كال فيها دوما بمكيالين، معرجا في هذه المحاضرة القيمة التي تعكس ما يتمتع به اللورد لوذيان من حسن نية وصدق طوية تجلت باهرة في استهجانه وامتعاضه واستنكاره لما تميز به الغرب من مواقف لئيمة أخطرها وأشدّها احتقاره للذات الإنسانية للمسلمين ومغامراته العسكرية الخائبة في أفغانستان والعراق وليبيا وتهديداته السافرة ضد إيران وسوريا”. وقد ختم المؤلف عمله هذا بسؤال مهم: هل استخلص الغرب العبر من الماضي؟ وبأمنية: هل سيستطيع الغرب أن يربح من جديد، وبالمعنى الخلقي، ذلك الشرق الأوسط الذي فقده؟ وحسب الأستاذ براهم، فإن المترجم أجاد “في تمحصه للتسلسل التاريخي وتفحصه للأحداث تفحصا دقيقا، مستعينا في ذلك بالمنظورات الثمينة التي قدمها أعلام أوغلوا في التأمل الحضاري والتحليل الاجتماعي في تفسيرهم للماضي والحاضر واستشرافهم للمستقبل، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله وإسهامه العظيم في تحليل مشكلاتنا الحضارية وفهمها فهما رصينا عاقلا مستوعبا، من أجل استحضار وتمثُّل شروط نهضتنا واستعادة أمتنا لدورها الحضاري بثبات وعزم”. ولعل أهم ما ورد من أفكار في عمل اللورد لوذيان هو تحليله للمواقف والسياسات والإستراتيجيات التفتيتية التي تتربص بأمتنا الدوائر ولا ترقب فيها إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً. والحال أن أهم ما تميز به مجهود الأستاذ نور بترجمته وتعليقاته وحواشيه، هو تحفيزه الضمني الموجه إلى فاعلي الأمة ومثقفيها من أجل قراءة مالك بن نبي من جديد. وأضاف “يظل لب هذا الكتاب، وعموده وذروة سنامه تلك الدعوة الضمنية المفعمة بالمشاعر الصادقة والأفكار الناجعة لدرء الفتنة واتقاء الفرقة، ونبذ التطاحن والتناحر بين أفراد الأمة. فهذه الأخيرة من خليجها إلى محيطها، بما فيها أرض العظماء والأولياء والشهداء، الجزائر، عرضة اليوم أكثر من أي وقت مضى، للتشتت والتفتت والتفكك. ومن المرجح أن المخاطر التي تحيق بها مبعثها داخلها ذاته، وليس حصرا أعداؤها من الخارج، وإنما يسهل تغلغل الكائدين إذا كان أهل الدار من المتباغضين النائمين الغافلين”. ويعد هذا الكتاب دعوة صريحة لحماية العالم العربي من العدوان، فهو جدير بأن يُقرأ قراءة متأنية رصينة باللغتين العربية والفرنسية.