تحمل رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بمناسبة ذكرى الاستقلال، اعترافا مكتوبا بأنه مريض وأنه يعاني وهو يمارس الحكم، وأظهرت تغيرا جذريا في موقفه من المعارضة، بعد أن شبههافي مارس الماضي بالاستعمار واتهمها بممارسة سياسة الأرض المحروقة. ما الذي تغيّر منذ خطاب 19 مارس الماضي، حتى ينتقل رأي بوتفليقة في المعارضة من “الذين يريدون الوصول إلى حكم البلاد على أنقاض دولتنا وأشلاء شعبنا”، إلى كونها طرفا في المشهد السياسي يؤدي دورا إيجابيا؟ وبينما يقول الرئيس إن المجال مفتوح أمامها للنشاط بحرية، تذكر المعارضة أن السلطات تمنع عنها القاعات العمومية وأن الإعلام العمومي لا يغطي نشاطها. وعن قوله إن الحريات الفردية والجماعية “سجلت تقدما لا سبيل إلى نكرانه”، فالتاريخ يحتفظ أن إنشاء الأحزاب توقف لمدة 12 سنة بأمر من بوتفليقة. ولولا رياح الربيع العربي، ما ألغى الرئيس حالة الطوارئ، وما عرفت الساحة السياسية ميلاد أحزاب جديدة. ولكن، إذا أعرب بوتفليقة عن تقديره للمعارضة، فجزء من رسالته هو بمثابة ردّ عليها. فعندما يقول إنه مصمم على إتمام عهدته الرابعة، يعني أنه يغلق الباب أمام مطلب “التنسيقية” تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، ويعني أنه يرفض التنحي تحت ضغط المطالبين بتفعيل المادة الدستورية 88. أهمية رسالة بوتفليقة تكمن في أنه يعترف لأول مرة كرئيس، بأن حالته الصحية سيئة. وبذلك فهو يكذّب ما تقوله الموالاة عن قدرته على تسيير دفة الحكم، فضلا عن أنه ينفي الوصف الذي أطلقه الرئيس الفرنسي عليه، لما قال عنه إنه “في حالة ابتهاج ممزوجة بالحيوية والنشاط”. وحملت رسالة الرئيس في هذا الجانب استعطافا، فهو يذكر أنه قدم تضحية عندما ترشح لعهدة رابعة بحجة أن صحته لا تسمح. بل وشبّه ذلك بتضحيات مجاهدي جيش التحرير الوطني! استعمال مفردة “التضحية” في الرسالة، يدل على أن بوتفليقة يعاني ويبذل مجهودا خارقا وهو يؤدي وظيفة رئيس الجمهورية. فما الذي أجبره على تحمّل كل هذه المشقة وهو منقوص بدنيا؟ أي رئيس في دولة يؤدي عمله بشق الأنفس، ينعكس ذلك حتما سلبيا على السير العادي للمؤسسات. والدليل في حالة بوتفليقة، أن مجلس الوزراء لا ينعقد إلا نادرا، وأعماله ينجزها بدلا عنه الوزير الأول في الداخل، ورئيس مجلس الأمة في الخارج. الرئيس يتحجج ب”العدد الجمّ” ممن أرادوه أن يستمر في الحكم، وهذا الأمر لم يتسنّ التأكد منه. بمعنى لم يشاهد الملايين ينزلون إلى الشارع لمناشدته الترشح للرابعة. أما عن الدستور، فقبل 9 سنوات بالضبط، كشف في خطاب ألقاه بنفسه في وزارة الدفاع، بأنه يعتزم إدخال تغيير جذري على الدستور. وقد استهلك بوتفليقة عهدتين تقريبا ولم ينجز هذا المسعى، بل لم يسمعه الجزائريون أبدا يشرح فكرته حول الدستور الذي يحلم به. فيما يخص محاربة الفساد، يستعين بوتفليقة لأول مرة بجهة خارجية (الأممالمتحدة) في محاولة للتأكيد على أن حكومته وفية لتعهداتها، بشأن تطبيق الاتفاقية الدولية للوقاية من الفساد. وبذلك فهو يرفض ضمنيا الانتقادات التي تأتي من “شفافية دولية” وجمعيات وناشطين محليين وأجانب، بخصوص ضلوع مسؤولين في الفساد. ويبقى التاريخ يسجّل بأن فضائح سوناطراك والطريق السيار والخليفة، حدثت في عهد سابع الرؤساء.