مخيالي الإعلامي لم يساعدني على تصور مستوى الهزال الذي ظهر به الاحتفال باليوم الوطني للإعلام وحفل توزيع جائزة رئيس الجمهورية.. فقد كنت أتصور هزالا في العملية، لكن لم أكن أتصور أن يصل الحال إلى هذا المستوى: 1 - هل من الصدفة أن يجري الاحتفال باليوم الوطني للصحافة في نفس اليوم الذي يحتفل فيه العالم “باليوم العالمي للتأتأة والتلعثم”؟ǃ هل هذه صدفة أم اختيار مقصود يعكس بالفعل حال الإعلام والصحافة في بلادناǃ 2 - هل من الصدفة أن اللجنة الوطنية المكلفة بمنح جائزة رئيس الجمهورية للصحافة في اليوم العالمي للتأتأة والتلعثم لم تجد في الصحافة المكتوبة من يستحق الجائزة فحجبتها، وفي نفس الوقت منحت الجائزة للجنة التي اجتهدت في حجب الجائزة.. والحال يقول إن ما تفتخر به الجزائر في حرية الإعلام هو الصحافة المكتوبة وليس السمعي البصريǃ ومع ذلك فتحت اللجنة الجائزة لنفسها أولا ولفطاحل التأتأة والتلعثم في الإذاعة والتلفزة الجزائريتينǃ 3 - بعض الزملاء أعادوا مسألة حجب جائزة رئيس الجمهورية للصحافة المكتوبة إلى أن المهنيين في الصحافة المكتوبة قاطعوا هذه الجائزة بسبب رداءة الموضوع الذي حُدد للمسابقة، فكيف يجد الصحافيون موضوعات حول النموذج الريادي للتنمية في الجزائر، والحال أن الجزائر ليس بها تنمية لا عادية ولا رائدةǃ وهزال الموضوع من هزال القائمين على القطاع.. فحتى الشيتة لا يحسنون اختيار موضوعاتها بصورة مقبولة. ولذلك حدث للجائزة بالمقاطعة الصحفية ما حدث لحكاية البطاقة المهنية حين حُوّلت إلى برنامج دولة في الإعلامǃ الوزير حنط نفسه في التعامل مع الصحافة كلجنة مساندة للرئيس، ولذلك لم يجد حوله من رجال الإعلام سوى النطيحة والمتردية وما أكل السبعǃ من الصحافيين والمؤسسات الصحفية. 4 - الشيء بالشيء يذكر.. أنه في سنة 1984 وأثناء الاحتفال بالذكرى 30 لاندلاع الثورة التحريرية أنشأ الشاذلي بن جديد جائزة الدولة للصحافة، وعيّن المرحوم امحمد يزيد رئيسا للجنة، باعتباره أول وزير للإعلام في الحكومة المؤقتة.. وقررت اللجنة حجب جائزة الصحافة المكتوبة لعدم وجود عمل صحفي في المستوى ويستحق الجائزةǃ تماما مثلما حدث اليومǃ ولكن ولسوء حظهم قام وزير الإعلام المرحوم رويس بتوجيه رسالة شكر للصحافة والصحافيين يشكرهم فيها على العمل النوعي الذي قامت به الصحافة المكتوبة في إبراز منجزات البلاد خلال 30 سنة من الاستقلال، تماما مثلما يحدث الآن، حين يوجه الرئيس رسالة يشيد فيها بالصحافة، وتقوم اللجنة بحجب الجائزة لرداءة الأعمال الصحفية المرشحةǃ وقتها كتبت عمودا في جريدة “الشعب” قلت فيه: إما أن قرار اللجنة برداءة الأعمال الصحفية خاطئ، وإما رسالة الوزير للصحافة وإشادته بأعمالها هو كذبǃ وثارت ثائرة الوزير وكدت أن أتعرض لعقوبات بالفصل من الصحافةǃ ونفس العمود أعيده اليوم: إما رسالة الرئيس المشيدة بالصحافة في غير محلها.. وإما قرار اللجنة هو الخاطئ. الطريف في الموضوع أن اللجنة في 1986 اجتمعت وقررت منحي الجائزة الوطنية للدولة على العمود الذي كتبته حول هذه اللجنةǃ وقُسمت الجائزة بيني وبين الزميل عمر بلهوشات مناصفةǃ ولكم أن تتساءلوا: هل تغير الوضع عن الحالة التي كانت عليها رداءة السلطة بعد 30 سنة من هذه الحادثةǃ قد يكون التغير حصل بالفعل.. لكن نحو الأسوأǃ لأن لجنة امحمد يزيد لم تحجب الجائزة وتسلمها لأعضائها كما حصل اليوم؟ǃ إنها فعلا نكتة أن تتحول الممارسات المتصلة بالسلطة الرابعة إلى نكتة في عهد هذه الحكومة. [email protected]