أخيرا، نطق “الماجور”، وعندما يتحدث الماجور، صعب توقع ردود فعل من يعنيهم بكلامه، وحتى هؤلاء الذين لا يعنيهم وقبعوا طيلة ربع قرن يرسمون بمخيلاتهم صور الجنرال اللغز، جنرال “انتصر” لزميله وصديقه العسكري المحبوس بحكم عسكري. ومن علو 25 سنة، رئيسا لجهاز المخابرات بالجزائر، اختار الفريق محمد مدين أن يتحدث، في سابقة، اعترف هو بالذات بأنها كذلك. الرجل عايش، وهو رقم أول في دائرة الاستعلام والأمن بوزارة الدفاع الوطني، خمسة رؤساء جمهورية هم: الشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف وعلي كافي واليامين زروال وعبد العزيز بوتفليقة، وطيلة كل المراحل التي صنعت هؤلاء الرؤساء أو صنعوها هم، لم ينطق الجنرال توفيق ببنت شفة، حتى عندما استقال بن جديد يوم 11 جانفي 1992، وحتى لما اغتيل الراحل محمد بوضياف، يوم 29 جوان 1992. ولما تهاوت الجمهورية في مستنقع الدم والدمار، لم يدل الماجور بموقف علني ولم يعرف له ظهور، بينما صارت صورتان أو ثلاث له فريسة من يريد “إثارة”، ولو عابرة عن هذا الرجل، وظلت صورتان تصنعان الصفحات الأولى للصحف دون سواهما، منذ أن صار تناول “الجنرال توفيق” مسموحا إعلاميا. كان الجنرال توفيق “يظهر” كشبح في مآتم الرؤساء السابقين الذين رحلوا، لا أحد كان يراه، لكن همسات من هنا وهناك كانت تلتقطها آذان من حضر جنازة الشاذلي بن جديد وقبله أحمد بن بلة، بمقبرة العالية، عام 2012، المعلومة لم تكن لتتأكد حينها، حتى من قبل هؤلاء الذين يعرفون توفيق صوتا وصورة. وفي جنازة الشاذلي، رحمه الله، كانت الأعين مشدودة، عندما تفرق الجمع، إلى سيارة شديدة السواد، وقيل إن بداخلها الرئيس اليامين زروال ومعه “كبيرهم” الذي تعلم سحر البقاء ولم يعلمه لغيره “الماجور”. حينها كان ذكر اسم الجنرال لا يخرج عن “همسة في أذن”. أخرج الجنرال حسان رئيسه “توفيق” من دائرة مغلقة بسمك 25 سنة، برسالة، لمن يهمه الأمر، لم يرفقها بصورة حديثة له، مفضلا لفت الانتباه أكثر إلى صورة ما بمخيلات من تابع أطوار محاكمة الجنرال حسان بوهران، الخميس ما قبل الفارط. محاكمة، اهتمام الناس، فيها، كان غياب الماجور عنها أولا، ثم، ثانيا، الحكم الصادر في حق مدير فرع مكافحة الإرهاب (حسان) في مخابرات التصقت لفترة طويلة جدا، في أذهان الجزائريين، بصورة رجل تسمع عنه آذانهم ولا تراه أعينهم، بل أن عمار سعداني، الذي رافع عما يسميه “تمدين الحكم” متهما الجنرال توفيق علانية بالفشل وبتكسير الأحزاب، لم تزعزعه في تسجيل موقف دفاعي مضاد، وهو الأدرى، من غيره، بما يجول في خاطر من يهمهم أمره، حتى وهو خارج أسوار مبنى “طاڤارا”، لذلك “تبرأ” الماجور من أي قراءة بديلة أو تأويل مخالف في رسالته الوحيدة، دونما أحد، يمكنه التوقع، إن كانت الأولى أم أنها الأولى والأخيرة. “توفيق” لم يرد على سعداني حتى وجهاز “دي آر آس” كله بيده، مثلما لم يظهر له موقف علني من الهجوم الإرهابي “متعدد الجنسيات” على حقل الغاز بتيڤنتورين، في جانفي 2013، والجنرال حسان الذي يدافع عنه “توفيق”، هو من تولى العملية الأمنية لتيڤنتورين. هل أحد ما أقنع الجنرال توفيق بضرورة كسر الصمت إزاء قضية الجنرال حسان، أم أن “الذهول” الذي أصيب به، جراء منطوق حكم المحكمة العسكرية للمرسى الكبير، وتحدث عنه في رسالته، جعله مقتنعا بحتمية أن يقول شيئا، باعتباره كان رئيس المعني بالحكم، أثناء الخدمة؟ وماذا لو أعلن عن هذه الرسالة قبل المحاكمة؟ طالما أن التهم الموجهة لحسان كانت معلومة، لكن الرئيس السابق لدائرة الاستعلام والأمن، لم يفعل ذلك.